صفات و القدرة الله
صفتا السمع والبصر
* وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة
الشرح: يثبت أهل السنة لله تعالى صفتي السمع والبصر على الحقيقة، وهذا ما قرره الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث [ص (55)] حيث قال: (ويثبتون أن له وجها وسمعا.) والصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث [ص (5)] حيث قال: (وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن و وردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر.) كقوله تعالى: "فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا" [سورة الشورى، الآية: 11] بل هم مجمعون على إثباتها، قال الأشعري في رسالة الثغر [ص (66)] (وأجمعوا على أنه تعالى لم يزل موجودا حيًّا قادرا عالما مريدا سميعا بصيرا)، وهما صفتان حقيقيتان، وجمهور الماتريدية والأشعرية على إثباتهما، وتفلسف بعضهم بإرجاعهما إلى صفة العلم، وهذا تعطيل واضح فاضح.
القوة لله جميعا
* وأثبتوا لله القوة كما قال: "فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم" [سورة فصلت، الآية: 15].
الشرح: يثبت أهل السنة لله تعالى صفة القوة، فهو القوي الذي لا يغلب سبحانه وتعالى، وليس لقوته حدود، قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية [(7 / 157)]: (أي أفما يتفكـرون فيمن يبارزون بالعداوة؟ فإنه العظيم الذي خلق الأشياء وركب فيها قواها الحاملة لها، وأن بطشه شديد)، كما قال تعالى: "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون") [سورة الذاريات، الآية: 47] فبارزوا الجبار العداوة وجحدوا بآياته وعصوا رسوله)، وقال ابن جرير في تفسيره لهذه الآية [(25 / 101)]: (فيحذروا عقابه، ويتقوا سطوته، لكفرهم به، وتكذيبهم رسله).
الخير والشر بقضاء الله وقدره
* وقالوا: إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله.
الشرح: قلت: مذهب أهل السنة والجماعة أن الخير والشر كلاهما مخلوقان مقدوران لله، وهذا ما قرره الإسماعيلي في اعتقاد أهل الحديث [ص (61: 62)] حيث قال: (ويقولون إن الخير والشر والحلو والمر بقضاء من الله أمضاه وقدَّره، لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله، وإنهم فقراء إلى الله لا غنى لهم عنه في كل وقت)
وفصَّل هذه المسألة الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث [ص (78- 81)] فقد قال: (ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشر والنفع والضر والحلو والمر بقضاء الله تعالى وقدره، لا مرد لهما ولا حيص ولا محيد عنهما، ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يصدوه بما لم يقض الله عليه لم يقدروا على ما ورد به الخبر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقال الله "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله" [سورة يونس، الآية: 107]
ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم إن الخير والشر من الله وبقضائه، لا يضاف إلى الله ما يتوهم منه نقص على الانفراد، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان، وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه، وفي ذلك ورد قول رسول الله في دعاء الاستفتاح تباركت وتعاليت، والخير في يديك، والشر ليس إليك } [أخرجه مسلم]، ومعناه - والله أعلم - والشر ليس مما يضاف إليك إفرادا وقصدا حتى يقال لك في المناداة: يا خالق الشر أو يا مقدر الشر، وإن كان هو الخالق والمقدر لهما جميعا، ولذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه فقال فيما أخبر الله تعالى عنه في قوله: "أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان" [سورة الكهف، الآية: 79]، ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله فقال: "و أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما" [سورة الكهف، الآية: 82]، ولذلك قال مخبرا عن إبراهـيـم عـليـه السـلام أنـه قـال: "وإذا مرضت فهو يشفين" [سورة الشعراء، الآية: 80]، فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه جل جلاله).
إثبات المشيئة
* وأن الأشياء تكون بمشيئة الله كما قال "و ما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين" [سورة التكوير، الآية: 29]، وكما قال المسلمون: ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون.
الشرح: قلت: وهذا مذهبهم: أن كل ما هو كائن فبقضاء الله وقدره، هذا ما قرره أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أئمة أهل الحديث [ص (51)] حيث قال: (ويقولون ما يقوله المسلمون بأسرهم: ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون، كما قال تعالى: "و ما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين" ويقولون: لا سبيل لأحد أن يخرج عن علم الله ولا أن يغلب فعله وإرادته مشيئة الله، ولا أن يبدل علم الله؛ فإنه العالم لا يجهل ولا يسهو والقادر لا يُغلب).
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية [(8 / 362)]: (أي ليست المشيئة موكولة إليكم، فمن شاء اهتدى ومن شاء ضل، بل ذلك كله تابع لمشيئة الله رب العالمين).
وقال البغوي في تفسيره لهذه الآية [(8 / 351)]: (أي أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله، وفيه إعلام أن أحدا لا يعمل خيرا إلا بتوفيق الله ولا شرا إلا بخذلانه) و الفرق بين الإرادة الكونية والشرعية هو أن الإرادة الكونية لا بد أن تقع ولكنها ليست بالضرورة محبوبة لله، بل قد يُراد أمر هو مكروه لله كالكفر، وأما الإرادة الشرعية فإنها متعلقة بالمحبوب لله تعالى وإن كان لم يقع، فهي أقرب لمعنى المحبة والأولى أقرب لمعنى المشيئة، فالأولى واقعة لا محالة، والثانية محبوبة من غير شك إلا أنها قد لا تقع.
الاستطاعة
* وقالوا: إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله أو أن يفعل شيئا علم الله أنه لا يفعله.
الشرح: رحم الله المؤلف فلم يكن دقيقا في نسبة هذا القول إلى أصحاب الحديث أهل السنة والجماعة؛ إذ إنه قول ضعيف مرجوح، ومذهب أهل السنة في الاستطاعة هو ما قرره الإمام الطحاوي [كما في شرح الطحاوية، ص (499)] حيث قال:" والاستطاعة التي يجب بها الفعل، من نحو التوفيق الذي لا يوصف المخلوق به تكون مع الفعل، وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكين وسلامة الآلات فهي قبل الفعل وبها يتعلق الخطاب، وهو كما قال تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا" [سورة البقرة، الآية: 286].
فالاستطاعة نوعان: الأولى: استطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات، وهي التي تكون مناط الأمر والنهي، وهي المصححة للفعل، فهذه لا يجب أن تقارِن الفعل بل قد تكون قبله متقدمة عليه، وهذه الاستطاعة المتقدمة صالحة للضدين، ومثال هذه الاستطاعة قوله تعالى: "فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس" [سورة آل عمران، الآية: 97، فهذه الاستطاعة قبل الفعل، ولو لم تكن إلا مع الفعل ما وجب الحج إلا على من حج، ولما عصى أحد بترك الحج، ولا كان الحج واجبا على أحد قبل الإحرام، بل قبل فراغه، ومن أمثلتها قوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن" [سورة التغابن، الآية: 16] فأمر بالتقوى بمقدار الاستطاعة، ولو أراد الاستطاعة المقارنة لما وجب على أحد من التقوى إلا ما فعل فقط، إذ هو الذي قارنته تلك الاستطاعة، وقال تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا" سورة البقرة آية: 286.، و (الوسع) الموسوع، وهو الذي تسعه وتطيقه، فلو أريد به المقارن لما كلف أحد إلا الفعل الذي أتى به فقط دون ما تركه من الواجبات إلى غير ذلك من الأدلة و هذه الاستطاعة هي مناط الأمر والنهي والثواب والعقاب وعليها يتكلم الفقهاء وهي الغالبة في عرف الناس.
الثانية: الاستطاعة التي يجب معها وجود الفعل، وهذه هي الاستطاعة المقارنة للفعل الموجبة له، ومن أمثلتها قوله تعالى: "أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء" [سورة هود، الآية: 20]، وقوله تعالى: "وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا" سورة الكهف آية: 100- 101. [سورة الكهف، الآيتان: 100، 101]، فالمراد بعدم الاستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفوسهم، فنفوسهم لا تستطيع إرادته، وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه، وهذه حال من صدَّه هواه أو رأيه الفاسد عن استماع كتب الله المنزَّلة واتباعها، وقد أخبر أنه لا يستطيع ذلك، وهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة للفعل، وهذه الاستطاعة هي الاستطاعة الكونية وهي مناط القضاء والقدر وبها يتحقق وجود الفعل [انظر: مجموع الفتاوى (8 / 372، 373)، ودرء تعارض العقل والنقل (1 / 61)، وشرح العقيدة الطحاوية (499-503)].
وخالف أهلَ السنة الجهميةُ والمعتزلة والأشعرية، أما الجهمية فقالوا: إنه ليس للعبد أي استطاعة لا قبل الفعل ولا معه [انظر: الملل والنحل (1 / 85)، والفرق بين الفرق ص (211)] و أما المعتزلة فقالوا: إن الله تعالى قد مكَّن الإنسان من الاستطاعة، وهذه الاستطاعة قبل الفعل وهي قدرته عليه وعلى ضده وهي غير موجبة للفعل [انظر: مقالات الإسلاميين (1 / 300)، والفرق بين الفرق ص (116)، وشرح الأصول الخمسة ص (398)].
وأما الأشعرية فقالوا: إن الاستطاعة مع الفعل، لا يجوز أن تتقدمه ولا أن تتأخر عنه، وما يفعله الإنسان فهو كَسْب له [انظر: الإرشاد ص (219)، والإنصاف ص (46)، وشرح العقيدة الطحاوية (499- 504)].