جولان الروح بين كتاب الله المقروء وكتاب الله المفتوح
رسم الله تعالى الطريق إليه بأنه مقيد بالتذكر والتفكر، التذكر بالقرآن الكريم والتفكر في الكون العظيم، فقال تعالى: }إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا و مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ، رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتنََّا عَلَى رسُُلِكَ وَلا تخُْزِناَ يوَْمَ القِْيَامَةِ إنِكََّ لا تخُْلِفُ الميعاد { 190 194 سور ة آل عمران[.
وسبب نزو ل هذه الآية: عن عطاء قال: انطلقت يوما أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة -رضي الله عنها- فكلمتنا وبيننا وبينها حجاب، فقالت لعبيد: قد آن لك أن تزورنا. فقال: يا أمه كما قال الأول: زر غبا تزدد حبا، قال فقالت: دعونا من رطانتكم هذه، قال بن عمير: اخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكتت، ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: يا عائشة ذريني أتعبد لربي. قلت: والله إني لأحب قربك، وما سرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته. قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر، قال : )أفلا أكون عبدا شكورا(، لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها )إن في خلق السماوات والأرض...(. رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه.
قال: ويل لكل عبد لم تتجول روحه بين كتاب الله المقروء وكتاب الله المفتوح، ولهذا قيل للإمام الأوزاعي -رحمه الله- ما غاية التفكر فيهن؟
قال: يقرئهن ويعقلهن. وقال الحسن: إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا قلوبهم فنطقت بالحكمة. وروى ابن القاسم عن مالك رحمه الله في جامع العتيبة قال: قيل لأم أبي الدرداء ما كان شأن؟ أبي الدرداء قالت:كان أكثر شأنه التفكير.
قيل له: أترى التفكير عملا من الأعمال؟ قال: نعم هو اليقين.فالتفكير من أفضل أعمال القلوب وانفعها وهو مفتاح للخيرات كلها، فما من يقظة مفيدة يتعرض لها العبد إلا وكان أساسها التفكير، وما من عمل محمود وتصرف صحيح يقوم به العبد إلا وكانت الخطوة التي فالفكر هو الذي ينقل « : قبله هي التفكير. يقول ابن القيم رحمه الله من موت الفطنة إلى حياة اليقظة، ومن المكاره إلى المحاب، ومن الرغبة
والحرص إلى الزهد والقناعة، ومن سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة، ومن ضيق الجهل إلى سعة العلم ورحبه، ومن مرض الشهوة والإخلاد إلى هذه الدار إلى شفاء الإنابة إلى الله والتجافي عن دار الغرور، ومن مصيبة العمى والصمم والبكم إلى نعمة البصر والسمع والفهم عن الله، ومن أمراض .» الشبهات إلى برد اليقين وثلج الصدر وثمرة الفكر ثمرة « : ويقول الدكتور أحمد الشرباصي رحمه الله تعالى يانعة ممتعة نامية سامية، فمن وراء التفكر يكون التعقل والارتداع عن كل ما يقبح ويسوء والإقبال على كل ما هو جميل ومقبول، ومن وراء التفكر يكون الإدراك الواعي البصير لجلال الله وعظمته، وكثرة نعمه وآلائه، ومن وراء التفكر يكون الاعتزاز بالله وحده والذل لوجهه والترفع عن الهوان مع غيره، ومن التفكر تكون الطاعة والاجتهاد في العبادة والازدياد من القربات، ومن وراء التفكر يكون إحياء الجوانب الفاضلة المشرقة في ذات الإنسان، ويكون إزهاق النوازع الخبيثة الرديئة، ولهذا يقول بِشر: لو فكر الناس في .]1/ أخلاق القرآن 229 [» عظمة الله ما عصوه فلا سبيل للوصول للاستبصار والاعتبار إلا بالتفكر، ولهذا يقول سليمان
إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة أو لي فيه عبرة.
موضوع: جولان الروح بين كتاب الله المقروء وكتاب الله المفتوح 
الجمعة يوليو 19, 2013 1:58 pm