فقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا هناد بن السري. هناد ابن السري أبو السري التميمي الكوفي. وهو ثقة مكثر من الحديث. من الطبقة العاشرة، وتوفي في عام 243هـ، وقد تقدم لنا سابقاً وكثيراً هناد بن السري. وأبو عيسى قد أكثر عنه في رواية الحديث في هذا الكتاب. قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان القرشي مولاهم، وعبد الرحمن من الطبقة السابعة، وتوفي في عام 174هـ، وكانت ولادة في عام 100هـ، وعبد الرحمن أيضاً تقدم لنا سابقاً، وذكرنا الخلاف في عبد الرحمن، وذكرنا أن أهل العلم قد اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال: بين مضعف له مطلقاً، وبين موثق له مطلقاً، وبين مفصل في حاله. وذكرنا أن الترجيح هو التفصيل في حال عبد الرحمن هذا. وقلنا أن حديثه على ثلاثة أقسام: إذا كان شيخه هشام بن عروة، أو أبوه عبد الله بن ذكوان، وكان الراوي عنه مدنياً، إذا كان شيخه إما أبيه عبد الله بن ذكوان، أو هشام بن عروة، وكان الراوي عنه مدنياً، فحديثه هنا يكون جيداً. قال يحيى بن معين: أن أثبت الناس في هشام ابن عروة هو عبد الرحمن بن أبي زناد، مع أن الإمام مالك وغيره ممن روى عن هشام بن عروة، ومع ذلك يقول يحيى بن معين: أن أثبت الناس في هشام هو عبد الرحمن ابن أبي الزناد، كذلك أيضاً يقول في روايته عن أبيه، أنه إذ روى عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة فهذا حجة. فـ عبد الرحمن ضابط لحديث هذين الشيخين: أبوه عبد الله بن ذكوان، وكذلك أيضاً هشام بن عروة، وأما قولنا إذا كان الراوي عنه مدنياً: فأهل العلم أثنوا على حديثه بالمدينة، وأما حديثه بالعراق كما سوف يأتينا وقع فيه خلل، ووقع فيه اضطراب، ووقعت عنده أخطاء، وأخذ يلقن فيقبل التلقين؛ فلذلك وقع في حديثه بعض الأخطاء، وبعض المناكير، فلعل هذا السبب هو الذي جعل بعض الحفاظ يضعف عبد الرحمن ابن أبي الزناد، فأهل العلم أثنوا على حديثه في المدينة، كما قال علي بن المديني: أن حديثه بالمدينة صحيح، وكذلك أيضاً الإمام مالك قد وثقه عندما سأل عنه فقال: ثقة. وكذلك أيضاً عمرو بن علي الفلاس، والساجي، ذكروا أن حديثه في المدينة أصح من حديثه الذي كان في العراق، فإذا كان الراوي عنه مدنياً فهنا يكون حديثه في الدرجة العليا من الصحة، ويحكم على هذا القسم بأنه جيد، أو قد يقال عنه بأنه صحيح. والقسم الثاني من أقسام حديثه: إذا كان شيخه ليس هشام بن عروة ولا أيضاً أبوه عبد الله بن ذكوان، وكان الراوي عنه مدنياً، فهذا هو القسم الثاني من أقسام حديثه، ويكون حسناً. وأما القسم الثالث: هو ما حدث به في العراق، فهذا كثير من الأئمة ذهبوا إلى تضعيف هذا القسم، ومن هؤلاء علي بن المديني، فـ علي بن المديني ضعف حديثه في العراق، وأما حديثه في المدينة كما ذكرت فقال صحيح، وكذلك أيضاً مثله الساجي، وكذلك أيضاً أبو حفص الفلاس، وكما ذكرت أن بعض الأئمة ذهب إلى تضعيفه مطلقاً، أو في بعض الروايات عنه، كما نقل عن الإمام أحمد أنه قال عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف، فهذا التضعيف ينصب على حديثه الذي حدث به في العراق؛ لأنه - رحمه الله - أخذ يلقن في العراق فيتلقن؛ يقبل التلقين، فلذلك وقع في حديثه بعض الأخطاء وبعض المنكرات، فهذا جعل بعض الحفاظ يضعف حديث عبد الرحمن هذا. وكما ذكرنا سابقاً أنه ينبغي الجمع بين أقوال أهل الجرح والتعديل مهما أمكن، وذكرنا في ذلك قاعدة، قاعدة مهمة في علم الجرح والتعديل، أنه ينبغي جمع الأقوال مهما أمكن، كذلك أيضاً إذا وجدنا تفصيلاً في الراوي، فينبغي أن نقول بهذا التفصيل، وإذا قلنا بهذا التفصيل في عبد الرحمن ابن أبي الزناد تكون الأقوال قد اجتمعت، فيحمل قول من وثقه على ما حدث به في المدينة، ويحمل قول من ضعفه على ما حدث به في بغداد في العراق، ومن فصل في حاله فهو المصيب جمع بين القولين. فإذاً حديثه على هذه الأقسام الثلاثة: القسم الأول يعتبر حديثه جيدا. والقسم الثاني إذا كان شيخه ليس هشام وليس عبد الله بن ذكوان، وكان الراوي عنه مدنياً فهذا القسم الحسن. وأما القسم الثالث فكما ذكرت بعض الحفاظ وكثير منهم ذهب إلى تضعيف ما حدث به في العراق، لكن الأقرب - والله أعلم- أن أيضاً ما حدث به في العراق الأصل فيه أنه حسن، حتى يدل الدليل على أنه قد أخطأ أو قد خالف، لكن الأصل أيضاً في ما حدث به في العراق فهو حسن؛ لأنه كما ذكرت كان يقبل التلقين، وهذا التلقين لا يسقط جميع حديثه، هذا التقلين الذي كان يقبله لا يسقط جميع حديثه، فما تبين أنه ليس من حديثه وأنه قد أخطأ فيه، فيعبتر هذا الحديث مردوداً، وإذا لم يتبين أنه قد أخطأ وأنه قد قبل التلقين هنا فالأصل فيه أنه حسن، وقد استثنى علي بن المديني من تلاميذه العراقيين: سليمان بن داوود الهاشمي، فاستثنى علي بن المديني هذا الرجل وقال أن أحاديثه عن عبد الرحمن ابن أبي الزناد مقاربه، فيقال لعله كتب من كتابه، فهذا الرجل يلحق بالقسم الثاني وهم إذا كان الراوي عنه مدنياً، فهذه أقسام حديث عبد الرحمن ابن أبي الزناد. عن عبد الرحمن بن الحارث. هو عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، أبو الحارث المدني، وعبد الرحمن بن الحارث وقع أيضاً فيه خلاف، فبعضهم ذهب إلى توثيقه كما نقل عن العجلي وابن حبان، وبعضهم ذهب إلى أنه لا بأس به، كما نقل عن يحيى بن معين، وكما اختار هذا القول الحافظ الذهبي، وبعضهم ذهب إلى تضعيفه تضعيفاً قليلاً، أو تضعيفاً ليناً، وهذا هو قول النسائي، فقال عنه النسائي: ليس بالقوي، وقال عنه أبو حاتم الرازي شيخ، وهناك من ضعفه وجزم بتضعيفه، بل أن الإمام أحمد قال عنه متروك، وقال عنه ابن المديني ضعيف، فاختلف أهل العلم على هذه الأقوال الأربعة: بين موثق له، وبين مصدق له، وبين مضعف له تضعيفاً يسيراً، وبين من ضعفه تضعيفاً مطلقاً، وبعضهم قال متروك، وقول الإمام أحمد متروك هذا تفرد بنقله ابن الجوزي رحمه الله، ولم يعزو ابن الجوزي - رحمه الله - هذا القول إلى مصدر، ومعلوم أن ابن الجوزي أنه من كبار الحفاظ رحمه الله، لكن أهل العلم تكلموا في بعض نقل ابن الجوزي، ما فيه شك أن ابن الجوزي من كبار الحفاظ، ومن كبار علماء الأمة، لكن بعض أهل العلم تكلم في بعض نقله، فابن الجوزي - رحمه الله - معروف بأنه يستعجل في التأليف، ولا يتقن المؤلف، فمرات يقع في بعض الأخطاء، وأهل العلم نصوا على ذلك، وقد ذكر المعلمي - رحمه الله - عدة أخطاء وقعت لابن الجوزي في نقله، فهذا القول الذي نقله ابن الجوزي عن الإمام أحمد أنه متروك، فيه غرابة واضحة؛ لأن هذا القول فيه مبالغة في تضعيف عبد الرحمن، وعبد الرحمن ما فيه شك لا يصل إلى درجة أنه متروك، ومن نقل هذا القول اعتمد على ابن الجوزي، ففي هذا النقل نظر، وفي ثبوته عن الإمام أحمد شك، لكن الأقرب من هذه الأقوال أنه لا بأس به, وهذا تقريباً هو القول الوسط في عبد الرحمن بن الحارث هذا؛ لأنه ما ذكرت له أحاديث منكرة، وكذلك أيضاً من ضعفه لم يبين تضعيفه، ولم يفسر تضعيفه، كذلك أيضاً من حيث التطبيق العملي ما وُجِدَتْ له أحاديث منكرة، فابن عدي - رحمه الله - ما ترجم لـ عبد الرحمن هذا أبداً ولا العقيلي أيضاً، وعندما ترجم له الحافظ الذهبي في كتابه (الميزان) ساق له حديثاً، وهذا الحديث هو أن الخال وارث، وهذا المتن معروف جاء من غير طريق عبد الرحمن بن الحارث، فهذا المتن معروف، وقد رواه أكثر من واحد من الصحابة، فرواه المقداد، ولا بأس بحديث المقداد، وحديث المقداد في السنن وقد صححه ابن حبان، وصححه أيضاً غير ابن حبان، وجاء أيضاً من حديث عائشة، فهذا المتن معروف. فهذا الحديث من جهة المتن ليس فيه نكاره، وهناك حديث رواه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر رضي الله عنه: (أنه أخذ زكاة العسل)، لكن الراجح في هذا الحديث أنه مرسل، أنه عن عمرو بن شعيب عن عمر بن الخطاب مرسلاً، وليس متصلاً؛ لأن يحيى بن سعيد الأنصاري قد رواه هكذا، وما فيه شك أن يحيى بن سعيد الأنصاري من كبار الحفاظ، فيقدم على رواية من وصل، وإن كان عبد الرحمن بن الحارث لم يتفرد بهذا الوصل، بل قد تابعه غيره، تابعه أسامه بن زيد الليثي، وكذلك أيضاً ابن لهيعه، لكن الراجح هو رواية يحيى بن سعيد الأنصاري، هذا هو الراجح في هذا الحديث، فكل هؤلاء الثلاثة باجتماعهم لا يصلون إلى درجة يحيى بن سعيد الأنصاري، فهذا الحديث تبين بالدليل أنه قد أخطأ فيه، وأما غير هذه الأحاديث فما وجدت له حديثاً منكراً، حاولت أن أتتبع حديثه، فما وجدت له حديثاً منكراً، كما ذكرت هذا الحديث و الحديث السابق، فالحديث الثاني تبين بالدليل أنه قد أخطأ، فإذا تبين أن عبد الرحمن قد أخطأ في حديث فهنا يرد هذا الحديث الذي أخطأ فيه، وأما الأصل في حديث عبد الرحمن أنه لا بأس به، وكما ذكرت هذا هو القول الوسط، وأن من جرحه لم يفسر جرحه، مع الشك في ثبوت النقل عن بعض الأئمة في جرح عبد الرحمن بن الحارث، كما أشرت إلى هذا سابقاً، وعبد الرحمن بن الحارث من الطبقة السابعة، وتوفي عام 143هـ، وطبعاً يضاف إلى توثيق من وثق عبد الرحمن بن الحارث يضاف إلى هذا من صحح حديث عبد الرحمن بن الحارث، وبالذات هذا الحديث، فهذا الحديث كما سوف يأتينا قد صححه الترمذي، وكذلك أيضاً ابن عبد البر، وابن العربي المالكي، كلهم قد صححوا هذا الحديث، فيعتبر تصحيح هؤلاء توثيق ضمني لـ عبد الرحمن بن الحارث. عن حكيم بن حكيم. هو ابن سهم بن حنيف، هو ابن عباد ابن حنيف الأنصاري المدني، وحكيم هذا أيضاً قد اختلف فيه، فبعضهم ذهب إلى توثيقه كما وثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات، وبعضهم ذهب إلى أنه لا يحتج به، وهذا هو قول ابن سعد، قال: كان قليل الحديث لا يحتج به، وبعضهم ذهب إلى تجهيله، وهذا هو قول ابن القطان الفاسي فقال: إن حكيم بن حكيم غير معروف، والأقرب - والله أعلم- أنه ليس هناك تعارض بين هذه الأقوال، فالأقرب في حكيم بن حكيم هذا أنه فيه جهالة، فابن حبان عندما ذكره في الثقات، مشى على قاعدته، ومعروف أن ابن حبان رحمه الله، أن الثقة عنده هو الذي لم يجرح، كل شخص لم يجرح فهذا يذكره في كتابه الثقات، وأما توثيق العجلي، فتوثيق العجلي كما ذكرنا أنه يوثق المجاهيل، وبالذات الذين هم من الصدر الأول، يعني بالذات الذين هم من التابعين، فالعجلي - رحمه الله - معروف بتوثيقه للمجاهيل، وعندما يستقرئ الشخص توثيقات العجلي يجد هذا الشيء واضحاً، طبعاً كما ذكرنا سابقاً أن كثير من الحفاظ قد يوثقون المجاهيل، وذكرنا أن الجهالة ليست بجرح، لكن العجلي زيادة على هؤلاء الحفاظ، وقد نص المعلمي - رحمه الله - في كتابه الأنوار الكاشفة على أن العجلي يفعل هذا الشيء أي يوثق المجاهيل، وكما ذكرت أن هذا واضحاً، ومرات ما تجد أن الحافظ الذهبي لا يلتفت إلى توثيق العجلي، وكذلك أيضاً مثله الحافظ ابن حجر، فقولهما بتوثيق هذا الرجل لا يخالف عند التحقيق قول ابن القطان الفاسي أنه غير معروف، فهذا الشخص فيه جهالة، ويدل على هذا قول ابن ساعد أنه قليل الحديث، وبالفعل حكيم بن حكيم قليل الحديث، ويؤيد هذا أن ابن أبي حاتم الرازي - رحمه الله - عندما ترجم له سكت عليه، وقد ذكر في مقدمة كتابه الجرح والتعديل: أن كل رجل يسكت عليه فإن هذا الرجل ما وجد فيه لا جرحاً ولا تعديلاً، ففيه جهالة عند ابن أبي حاتم الرازي، فتبين لنا أن هذه الأقوال غير متعارضة، فتوثيق من وثقه هذا منصب على حديثه فقط، وأما حاله ففيها جهالة، فوجد العجلي وابن حبان أن هذا الحديث لا بأس به وظاهره الاستقامة، فقالوا عنه ثقة، وابن القطان مشى على المشهور عند كثير من المتأخرين، أن هذا الشخص لا يعرف، وابن سعد عندما قال لا يحتج به؛ يعني لعل معنى عبارته أنه غير معروف، فإذاً هو لا يحتج به، فالأقرب في حكيم بن حكيم هذا أنه فيه جهالة، وكما ذكرت سابقاً أن الجهالة ليست بعلة، بحيث أنها تضعف الحديث، بل الأمر على حسب القرائن، فإذا وجد أن المتن مستقيم، والإسناد مستقيم أيضاً، فهنا قد يصحح وقد يحسن الحديث، وكما ذكرت أن هذا هو مذهب جمهور المتقدمين والمتأخرين، وإنما الذي خالف في هذه القاعدة هم المعاصرين، وذكرنا هذا سابقاً كثيراً ومرراً، وذكرنا بعض الأدلة على هذه المسألة. حكيم بن حكيم من الطبقة الخامسة. قال أخبرني نافع بن جبير، نافع بن جبير بن مطعم القرشي النوفلي المكي، أبو محمد، ونافع بن جبير بالاتفاق أنه ثقة، فقد وثقة الأئمة وهو من الطبقة الثالثة، وتوفي عام 99هـ. قال أخبرني ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين..) إلخ، نذكر من خرج هذا الحديث، هذا الحديث أخرجه أبو داوود والإمام الشافعي كما في المسند المجموع له، وعبد الرزاق في المصنف، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وأبو يعلى، وابن المنذر في كتابه (الأوسط)، والطحاوي في كتابه (شرح معاني الآسار)، والدار قطني، والبيهقي، وصححه ابن خزيمة، وابن الجارود، والحاكم، وعزى الحافظ الزيلعي هذا الحديث لابن حبان في كتابه (الصحيح)، لكن ما وقفت على رواية ابن حبان في كتابه الصحيح، أما الزيلعي فقد عزى هذا الحديث إلى ابن حبان، فهذا من أخرج هذا الحديث. وأما ما يتعلق بالكلام على هذا الحديث من جهة التصحيح والتضعيف، فكما ذكرت أن ابن خزيمة والحاكم قد صححاه، وكذلك أيضاً ابن الجارود، وذكرنا سابقاً أن ابن الجارود عندما يروي حديث في كتابه (المنتقى) فهذا الحديث إما أن يكون صحيحاً وإما أن يكون حسناً، وقد نص الحافظ الذهبي على هذا. وهذا مستفاد من استقراء أحاديث هذا الكتاب، وكذلك أيضاً من تسمية هذا الكتاب بالمنتقى، فهنا ابن الجارود قد أخرج هذا الحديث في كتابه (المنتقى)، كذلك أيضاً بالإضافة إلى هؤلاء أيضاً صححه ابن العربي المالكي، كما في كتابه العارضة، (عارضة الأحوذي)، كذلك أيضاً ابن عبد البر في التمهيد، وقال وقد تكلم بعض الناس في حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له، ورواته كلهم مشهورون بالعلم، كذلك أيضاً ابن المنذر قال عن هذا الحديث قد ثبت، فهؤلاء كلهم قد صححوا هذا الحديث، والأقرب في هذا الحديث كما ذكرت سابقاً أنه لا بأس بإسناده، وهذا المتن كما سوف يأتينا صحيح، إلا في أخر كلمة وهي: (هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين) فهذه ليس لها شاهد من أحاديث الصحابة، وإنما جاءت في هذا الحديث فقط، أما باقي الحديث فقد جاء عن غير حديث ابن عباس، جاء من حديث جابر ومن حديث أبي هريرة، كما سيذكر الترمذي في نهاية الباب.
طبعاً هناك متابعات لـ عبد الرحمن وكذلك أيضاً لحكيم، فقد توبع عبد الرحمن، والمتابعات يطول الكلام في ذكرها، لكن من أشهر هذه المتابعات هي المتابعة التي رواها عبد الرزاق في كتابه (المصنف)، فقال: عن عبد الله بن عمر، عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس، فهنا قد توبع عبد الرحمن بن الحارث، وكذلك أيضاً حكيم بن حكيم، لكن هذه المتابعة فيها ضعف. فعبد الله بن عمر هو ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر لا يحتج فيه ضعف، وعمر بن نافع لم أقف له على ترجمة، وكما ذكرت هناك متابعات لكن لا تخلو من كلام، هذا ما يتعلق بالكلام على هذا الحديث تصحيحاً وتضعيفاً. أما ما يتعلق في الكلام على فقه هذا الحديث، فالمواقيت: هي الأوقات التي جعلها الله عز وجل لأداء العبادات، والمواقيت تنقسم إلى قسمين: إما مواقيت زمانية، وإما مواقيت مكانية، فالمواقيت المكانية مثلاً: مواقيت الحج، معلوم أن الشخص لا يدخل إلى مكة إلا بعد أن يحرم بالمواقيت التي وقتها الشارع، فهذه مواقيت مكانية. أما المواقيت الزمانية، فمثلاً مواقيت الصلاة، فهذه مواقيت زمانية، فالمواقيت تنقسم إلى هذين القسمين: إما مواقيت مكانية، وإما مواقيت زمانية. وأما ما يتعلق بمواقيت الصلاة الزمنية، فالصلاة من حيث المواقيت الزمانية تنقسم إلى قسمين: إما صلاة مؤقتة بميقات زمني، وإما صلاة غير مؤقتة بميقات زمني، فالصلاة من حيث الزمن والتوقيت على هذين القسمين، إما صلوات مؤقتة بمواقيت زمنية، وإما صلوات غير مؤقتة بمواقيت زمنية، فالصلوات المؤقتة بالمواقيت الزمانية مثل الصلوات الخمس، وصلاة الوتر، وسنة الضحى، فهذه مؤقتة بمواقيت زمانية محددة، وأما القسم الآخر وهي الصلوات الغير مؤقتة بمواقيت زمانية: فهذه تنقسم إلى قسمين: إما صلوات مقيدة بأسباب، وإما صلوات غير مقيدة بأسباب بل تفعل مطلقاً ودائماً، فالصلوات المؤقتة بالأسباب مثلاً صلاة الخسوف والكسوف، فهذه مؤقتة بالخسوف والكسوف، فإذا وقع الخسوف أو الكسوف تصلى هذه الصلوات، كذلك أيضاً صلاة الاستسقاء، فإذا وجد سبب الاستسقاء وهو القحط، تصلى هذه الصلاة، وأما القسم الثاني وهي الصلوات الغير مؤقتة بمواقيت زمانية وليست أيضاً مؤقتة بأسباب، كالتنفل المطلق، فهذه الصلوات ليس لها أسباب وليست مؤقتة بميقات معين ومحدد، بل متى أراد الشخص أن يصلي فليصلي، عدا الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، هذا ما يتعلق بالصلوات من حيث المواقيت الزمانية .
نأتي إلى الصلوات الخمس ومواقيتها، فالصلوات الخمس من حيث المواقيت أيضاً تنقسم إلى عدة أقسام، القسم الأول: الصلوات التي يسن دائماً تقديمها في أول وقتها، فمثلاً صلاة الفجر فهذه دائماً السنة فيها أن تؤدى في أول الوقت، كما في حديث أبي برزة الأسلمي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الفجر بغلس، وكذلك أيضاً كما في حديث عائشة، وهما في صحيح البخاري، وبالذات في صلاة الفجر من فجر يوم العيد، يوم الحج الأكبر، فهذه السنة المبادرة بها في أول وقتها، حتى أنه في ظاهر حديث ابن مسعود الذي في البخاري أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- في فجر هذا اليوم لم يؤدي سنة الفجر، الظاهر من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - الذي في صحيح البخاري أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- لم يؤدي سنة الفجر في هذا اليوم، لأن في حديث ابن مسعود أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- صلى الفجر حين انشق الفجر، وفي رواية في أول وقتها حين انشق الفجر، وقائل يقول قد طلع الفجر، وقائل يقول لم يطلع الفجر، فظاهر هذا الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- صلى من حين تبين الفجر صلى صلاة الفجر، ولم يذكر أنه صلى سنة الفجر، فيبدو أنه في هذا اليوم لم يصلي سنة الفجر، طبعاً معروف أن في حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- ما كان يدع سنة الفجر لا حضراً ولا سفراً، لكن يبدوا أنه في هذا اليوم - والله أعلم- يسن ترك سنة الفجر؛ يعني هذا هو ظاهر حديث ابن مسعود، وإن كان في النفس شيء من هذا؛ لأن أهل العلم ما نبهوا على هذا الشيء، ولعل أيضاً يقال في هذا كما يقال في صلاة الوتر من ليلة العيد من يوم عرفة، فأيضاً ظاهر الأحاديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- ترك الوتر في ليلة عرفة، ليلة مزدلفة، ليلة العيد، ظاهر الأحاديث أنه ترك صلاة الوتر، ففي حديث جابر بن عبد الله أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- جمع بين المغرب والعشاء، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، وحديث جابر في صحيح مسلم. وفي حديث ابن عمر وهو في البخاري وفي صحيح مسلم أيضاً أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- جمع بين المغرب والعشاء ولم يصلي على أثر كل صلاة شيئاً، فهذين الحديثين يفيدان أنه لا صلاة وتر في ليلة عرفة، فلعل أيضاً سنة الفجر في يوم العيد أنه أيضاً يقال فيها كما يقال في الوتر، والله أعلم. فالفجر السنة فيها أنها تؤدى دائماً في أول وقتها، كذلك أيضاً صلاة العصر السنة فيها أنها تؤدى دائماً في أول وقتها، كذلك أيضاً صلاة المغرب السنة فيها أنها تؤدى دائماً في أول وقتها، هذا هو القسم الأول. القسم الثاني: الصلوات التي يسن تأخيرها في آخر وقتها وهي صلاة العشاء، يسن تأخيرها في آخر وقتها، كما في الصحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- عندما أخر الصلاة إلى قبيل منتصف الليل، قال: (إن هذا لوقتها، لولا أن أشق على أمتي)، فيستحب أداة صلاة العشاء في آخر وقتها مطلقاً، هذا هو القسم الثاني. والقسم الثالث: الصلوات التي تخلتف باختلاف الأحوال، فصلاة الظهر تخلتف باختلاف الأحوال، فإذا كان الجو ليس بحار فيسن أن تؤدى في أول وقتها، كما في حديث أبي برزة الذي في صحيح البخاري أنه كان يصلي صلاة الظهر عندما تزول الشمس، وفي رواية عندما تظهر الشمس؛ يعني أيضاً تزول، وكذلك أيضاً حديث جابر أيضاً وهو في البخاري بمعنى هذا الحديث، فصلاة الظهر عندما لا يكون الجو حاراً يسن أن تؤدى في أول وقتها، أما إذا كان الجو حاراً وشديد الحرارة، فيسن تأخيرها حتى يبرد الجو قليلاً، كما في حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال: (إن شدة الحر من فيح جهنم، فأبردوا في الصلاة) وهذا الحديث متواتر، وهو الأمر بالإبراد بالصلوات؛ يعني هذا فيما سبق، أما الآن فليس هناك حاجة إلى الإبراد، فالآن لا يسن الإبراد؛ لأنه ليس هناك داعٍ إلى هذا، فالحمد لله المساجد مكيفة، فإذاً العلة التي أخرت من أجلها الصلاة منتفية، والعلة هي شدة حرارة الجو، والآن هذا الشيء منتفي، لكن إذا وجد في مكان وليس هناك مكيفات، فيسن أيضاً تأخير الصلاة، صلاة الظهر في أخر وقتها حتى يبرد الجو قليلاً، كذلك أهل العلم أيضاً قسموا الصلاة من حيث وقت الاختيار ووقت الضرورة أيضاً إلى قسمين: فهناك صلوات ليس لها إلا وقت اختيار واحد، وهناك صلوات لها وقتان، وقت اختيار ووقت ضرورة، فالصلوات التي ليس لها إلا وقت واحد كصلاة الفجر مثلاً، فجميع وقتها وقت اختيار من حين يتبين يتبين الفجر، ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود إلى قبيل خروج حاجب الشمس، كذلك أيضاً صلاة الظهر ليس لها إلا وقت واحد وجميع هذا الوقت وقت اختيار، كذلك أيضاً المغرب ليس لها إلا وقت واحد، وهذا أيضاً وقت اختيار، أما العصر والعشاء ففيهما وقتان: وقت اختيار ووقت ضرورة، وقت الاختيار لصلاة العصر من حين يبلغ ظل الشيء مثله إلى أن تفر الشمس، أو إلى أن يصبح ظل الشيء مثليه، كما في بعض الأحاديث، وسوف يأتينا هذا مفصلاً، والذي دعانا إلى أن نقسم هذا التقسيم، طبعاً ما فيه شك أن أهل العلم قد ذكروا هذا التقسيم والذي دعاهم إلى هذا الشيء هو جمعاً بين الأحاديث، فورد أن وقت صلاة العصر إلى أن تصفر الشمس، أو إلى أن يصبح ظل الشيء مثليه، وكذلك أيضاً الرسول - صلى الله عليه وسلم- كما ثبت في الصحيح أنه ذم الشخص الذي وقت صلاة العصر إلى أن تصفر الشمس، فقال: (تلك صلاة المنافق) وثبت في حديث أبي هريرة وهو في صحيح البخاري (أنه من أدرك ركعة قبل مغيب الشمس، فقد أدرك الصلاة) فجعله مدركاً لصلاة العصر، وطبعاً هذا الإدراك كما ذكرنا سابقاً إدراك للوقت وإدراك أيضاً للحكم، وإدراك للفضل، أما إدراك للوقت: أي إدراك وقت العصر، وكذلك أيضاً في حديث أبي هريرة (أنه من أدرك ركعة قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الصلاة)، فهذا إدراك لوقت صلاة الفجر، فمن صلى ركعة قبل طلوع الشمس يكون قد أدرك وقت الفجر، وأما إدراك للحكم، فالشخص مثلاً إذا جاء يوم الجمعة وما أدرك شيئاً من الصلاة، يعني أدرك الإمام وقد رفع من الركوع من الركعة الثانية، فهنا ما أدرك حكم صلاة الجمعة، فيصلي أربعاً، أما إذا أدرك الإمام راكعاً فيكون قد أدرك صلاة الجمعة؛ أي قد أدرك حكم صلاة الجمعة فيأتي بالركعة الأخرى، ويكون قد أدرك حكم صلاة الجمعة، وبهذا طبعاً أفتى الصحابة، فهذا إدراك للحكم، وأما إدراك للفضل فإذا أتى الشخص إلى جماعة وأدرك الركوع الأخير يكون قد أدرك فضل الجماعة، أما إذا رفع الإمام من الركوع الأخير يكون قد فاته فضل الجماعة، فالإدراك على هذه الأقسام الثلاثة: إما إدراك للوقت، وإما إدراك للحكم، وإما إدراك للفضل، وكذلك أيضاً بالنسبة لإدراك الحكم أيضاً الحائض، فالحائض إذا طهرت قبل انتهاء وقت الصلاة بزمن بحيث تستطيع فيه أن تؤدي ركعة، تكون قد أدركت هذه الصلاة، فلو طهرت الحائض قبل مغيب الشمس بركعة تكون قد أدركت صلاة العصر، فيجب عليها أن تؤدي صلاة العصر، أما إذا ما أدركت من الوقت إلا شيئاًَ قليلاً بحيث لا تستطيع أن تؤدي في هذا الوقت ركعة، تكون هذه الصلاة قد فات حكمها، فإذاً لا يجب عليها قضاء هذه الصلاة، وكما ذكرت الدليل على ذلك حديث أبي هريرة وهو في الصحيحين، فجعل الإدراك يكون بإدراك ركعة، فإذاً الذي لا يدرك ركعة يكون ما أدرك الصلاة لا حكمها ولا فضلها، ولا أيضاً وقتها، فالعصر أهل العلم قسموها إلى وقت اختيار ووقت ضرورة، وكذلك أيضاً العشاء قسموها إلى وقت اختيار ووقت ضرورة. لكن أهل العلم اختلفوا أيضاً في وقت الاختيار بالنسبة لصلاة العشاء ووقت الضرورة، فبعضهم قال: أن وقت الاختيار إلى ثلث الليل، واستدل بحديث أبي موسى وغيره في صحيح مسلم وغيره من الأحاديث، وحديث أبي هريرة أيضاً، وحديث ابن عباس أن صلاة العشاء إلى ثلث الليل، وبعضهم قال إلى منتصف الليل، واستدل بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في صحيح مسلم أن صلاة العشاء إلى نصف الليل، وبعضهم قال: إن صلاة العشاء إلى الفجر، هذا هو القول الثالث، واستدلوا بحديث أبي قتادة في صحيح مسلم أنه ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط على من لم يصلي حتى يأتي وقت الصلاة الأخرى، فوقت الصلاة الأخرى بالنسبة للعشاء وقت الفجر، لكن الأرجح من هذه الأقوال - والله أعلم- هو القول الثاني: أن وقت صلاة العشاء إلى منتصف الليل، ويحمل حديث أبي قتادة على وقت الضرورة، فيكون للعشاء وقتان: وقت الاختيار وهو إلى منتصف الليل، ووقت الضرورة إلى طلوع الفجر، فيكون هناك وقتها قد انتهى، وسوف يأتينا بإذن الله الكلام على هذه المسائل مفصلاً فيما بعد، وهنا أحد الأخوان يقول أن نافع بن جبير في التقريب مدني، نعم أنا أخطأت عندما قلت مكي، فهو مدني وليس مكياً.
القارئ: (قال أبو عيسى: أخبرني أحمد بن محمد بن موسى، قال أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا حسين بن علي بن حسين، قال: أخبرني وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (أمني جبريل). فذكر نحو حديث ابن عباس بمعناه. ولم يذكر فيه (لوقت العصر بالأمس). قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب. وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح. وقال محمد أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال وحديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم- نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم).
الشيخ: قال أبو عيسى: أخبرنا أحمد بن محمد بن موسى. هو أبو العباس السمسار، أحمد بن محمد بن موسى أبو العباس السمسار، وهو من الطبقة العاشرة وتوفي سنة 235هـ، وبالإضافة إلى إخراج الترمذي له قد أخرج له البخاري والنسائي وهو ثقة، وقد قال ابن وضاح أن أحمد بن موسى هذا أنه ثقة ثبت، لكن الأقرب فيه أنه ثقة، كما ذهب إلى هذا جمهور أهل العلم، قال أخبرنا عبد الله بن المبارك. هو أبو عبد الرحمن المروزي، وهو إمام مشهور من الطبقة الثامنة وتوفي عام 181هـ، وكما ذكرت هو من كبار الأئمة، ومن كبار علماء المسلمين، ومتصف بعدة صفات من صفات الخير، حتى أن الحافظ ابن حجر - رحمه الله - قال: قد جمع خصال الخير، فهو موصوف بالعلم وبالفقه وبرواية الحديث، وبالزهد وبالعبادة وبالجهاد، قال أخبرنا حسين بن علي بن حسين، هو ابن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي، وحسين بن علي هذا قد وثقه النسائي وابن حبان، وحسين بن علي هذا ليس له من الحديث في الكتب الستة، إلا هذا الحديث فقط، كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر وغيره، فهو مقل جداً من الحديث، والأقرب في حسين بن علي هذا أنه صدوق لا بأس به؛ لأن حفظه وضبطه غير معروف، فهو لم يروي الحديث إلا أحاديث قليلة جداً، فليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث الواحد فقط، وبهذا حكم عليه الحافظ ابن حجر وقال أنه صدوق مقل. قال أخبرنا وهب بن كيسان. هو القرشي مولاهم، وهب بن كيسان القرشي أبو نعيم المكي، ووهب بن كيسان هذا قد اتفق الأئمة على توثيقه، وممن وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين، فهو ثقة بالاتفاق، وهو من كبار الطبقة الرابعة، وتوفي في عام 127هـ، وقيل في عام 129هـ. عن جابر بن عبد الله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (أمني جبريل..) فذكر نحو حديث ابن عباس بمعناه، ولم يذكر فيه (لوقت صلاة العصر بالأمس)، فكما قال أبو عيسى الترمذي أن حديث جابر هذا هو بمعنى حديث ابن عباس من حيث الأوقات إلا ما استثناه أبو عيسى، وهو أنه لم يذكر فيه وقت العصر بالأمس، وكذلك أيضاً ليس فيه (يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين)، ليس فيه أن هذا هو وقت الأنبياء من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، أما تخريج حديث جابر هذا، فأخرجه النسائي والإمام أحمد وابن حبان وابن المنذر في كتابه الأوسط، والدارقطني والحاكم، وقال صحيح والبيهقي، وعزاه الزيلعي في نصب الراية إلى إسحاق بن راهويه، فقال أخرجه في مسنده، وهذا الحديث طبعا كما ذكرنا قد صححه أبو عيسى الترمذي - رحمه الله - تعالى، ونقل عن شيخه البخاري أن هذا الحديث يعتبر من أصح الأحاديث في المواقيت، وأما شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول: إن أصح حديث في المواقيت هو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قد أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، فالبخاري - رحمه الله - يرى أن حديث جابر هذا أصح حديث في المواقيت، وكذلك أيضاً حديث أبي هريرة، فالترمذي نقل عن شيخه البخاري في كتابه العلل، أنه قال عن حديث جابر وحديث أبي هريرة أنهما أصح حديث جاء في المواقيت، وحديث جابر هذا رواه غير وهب بن كيسان، فرواه عدة عن جابر بن عبد الله، رواه أكثر من راوٍ عن جابر بن عبد الله، كما أشار إلى ذلك الترمذي فقال: قد رواه عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير، وكذلك أيضاً غيرهم، فرواه أيضاً محمد بن عمرو، ورواية محمد بن عمرو في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم، ورواه كذلك أيضاً عبد الله بن محمد بن عقيل، كما هو عند أبي يعلى، وعند ابن أبي شيبة، فهذا الحديث مشهور عن جابر بن عبد الله، وقلنا هذا هو الراجح في هذه العبارة، فالحديث الثابت عنده سواء كان صحيحاً أم حسناً، يقول عنه هذا حديث حسن صحيح، وذكرنا الخلاف في معنى هذه العبارة سابقاً وفي عدة مرات، وقلنا أن هذه العبارة قد أشكلت على بعض أهل العلم، وأنه قيل فيها أكثر من ثمانية أقوال، وأن الراجح في تفسير هذه العبارة؛ أن معنى حسن صحيح؛ أي هذا حديث ثابت سواء كان صحيحاً أم حسناً، وأما الحديث الحسن عند الترمذي فكما ذكرنا أنه عندما يقول الترمذي عن حديث ما: هذا حديث حسن فهذا الحديث يكون فيه ضعف عند الترمذي أو معلول، أو على الأقل في نفس الترمذي شيء، فيقول: هذا حديث حسن، فليس معنى حسن عند الترمذي ما اصطلح عليه أهل العلم من المتأخرين أن الحسن هو وارد الثقة الذي يخف ضبطه، فالحسن عند الترمذي هو الحديث المعلول أو الضعيف، أو على الأقل في نفس الترمذي شيء من هذا الحديث، فقال هذا حديث حسن، أما إذا ثبت الحديث عند الترمذي فيقول: حسن صحيح، وكما ذكرت مرات يستعمل مصطلح: هذا حديث صحيح، وحديث صحيح مساوٍ لحديث حسن صحيح، ليس بينهما فرق بين حسن صحيح وبين صحيح، نعم في بعض المرات قد يفرق بينهما، فيجعل الحديث الصحيح أصح من الحديث الحسن الصحيح، وهذا مر علي في موضعين في كتاب الترمذي، لكن في الغالب أن معنى حسن صحيح معناه صحيح، ومعنى صحيح معناه حسن صحيح. قال: وكذلك حديث ابن عباس حديث حسن صحيح، فتقدم من خلال الكلام على هذا الحديث، فحديث ابن عباس كحديث جابر بهذا الإسناد حديث جيد، حسن الإسناد، وبمجموع طرقه يكون الحديث صحيح، فلهذا الحديث كحديث جابر أسانيد صحيحة، وقد أخرج بعض حديث جابر كما ذكرت البخاري ومسلم في صحيحهما، طبعاً الغريب عند أهل العلم ينقسم إلى قسمين: إلى غريب في المتن وغريب الإسناد، والغريب من جهة الإسناد ينقسم إلى أقسام أيضاً: إما غريب من حيث الإطلاق؛ يعني ليس لهذا الحديث إلا سند واحد فقط، وهذا هو المشهور في كتب المصطلح، أن الغريب ليس له إلا إسناد واحد فقط، هذا القسم الأول. والقسم الثاني أن الغريب عند أهل العلم بالحديث يطلق على الإسناد الغريب؛ يعني الذي ليس له إسناد واحد، لا؛ وإنما هو الإسناد الذي لا يعرف أن فلان يروي عن فلان؛ يعني هذا الإسناد غريب في تركيبه؛ يعني فلان عن فلان عن فلان، ما معروف أن فلان يروي عن فلان، ولا هو معروف أن فلان يروي عن فلان، فأيضاً هذا عند أهل العلم يطلق عليه مسمى الغريب، وكثير ما يطلقون الغريب على هذا الشيء، إذا كان الإسناد لا يعرف أن فلان لا يروي عن فلان، وفلان غير مشهور بالرواية عن فلان. والقسم الثالث من أقسام الغريب هو أن يتفرد راوي بحديث عن شخص ويكون هذا الشخص مشهور، وهذا الراوي يكون غير مشهور بالرواية عن هذا الشخص، أو يكون مشهوراً بالرواية عن هذا الشخص، لكن تفرد به عن هذا الشخص فقط، فأيضاً هذا هو الإطلاق الثالث على هذا المصطلح، وهو المصطلح الغريب؛ ثم هناك أيضاً ما يسمى بالغرابة النسبية، والغرابة النسبية: أن يكون بالمتن عدة أساليب معروفة، ثم يأتي إسناد غير معروف في هذا المتن، فيسمى هذا غرابة نسبية، أو يكون أهل البلد يتفردون بحديث ما، فيقال تفرد به أهل المدينة أو أهل مكة أو أهل البصرة، فهذا يسمى أيضاً غريب نسبي، فهذه إطلاقات الغرابة عند أهل العلم، هذا من حيث الإسناد، أما من حيث المتن فينقسم إلى أقسام: إما أن يكون هذا الحديث غريب في لفظه؛ يعني ألفاظه اشتهرت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قالها، أو تطلق الغرابة على المتن الذي يكون مخالف لنصوص من الكتاب أو من السنة، طبعاً الفرق بين الحالة الأولى والثانية: أن الحالة الأولى: الألفاظ تستغرب ليس هناك دليل على أن هذا المتن مخالف لمتن جاء في الكتاب وفي السنة، وإنما ألفاظه تستغرب، وهذا لا يكون إلا لأهل العلم العالمين، والذين قرءوا في السنن في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصبحت عندهم حاسة في تمييز كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم- من كلام غيره, والقسم الثالث: هو الغريب الذي يكون في بعض ألفاظ الحديث؛ يعني هناك لفظة يأتي بها أحد الرواة، فهذه اللفظة تستغرب، مثلاً إنك لا تخلف الميعاد، هذه الزيادة غريبة، تفرد بها رجل واحد، وليست معروفة أنها موجودة في هذا الحديث، فهذه هي إطلاقات الغرائب، أما معنى هذه النقطة عند الترمذي، فالترمذي الغريب عنده يعني ما تبين لي تفصيل صحيح للغريب عند الترمذي، مرات يطلق على الحديث الذي ليس له إلا إسناد واحد، ومرات يطلق على الحديث الذي له عدة أسانيد، فمثلاً حديث جابر هذا له عدة أساليب، وكذلك أيضاً جاء عن غير جابر، طبعاً قال هذا حديث حسن صحيح غريب؛ مع أن هذا الحديث جاء عن غير جابر، وكذلك أيضاً إسناده جاء عن غير وهب بن كيسان، ومع ذلك قال عنه غريب، فما تبين لي معنى الغرابة عند أبو عيسى الترمذي، قال أبو عيسى حدثنا هناد، قلنا هناد هو ابن السري أبو السري التميمي، قال حدثنا محمد بن فضيل، هو محمد بن فضيل بن غسوان الضبي، أبو عبد الرحمن الكوفي، وهو ثقة ثبت, وقلنا هو من الطبقة التاسعة، وتوفي عام 195هـ، وقد أخرج له الجماعة، وتقدم لنا سابقاً محمد بن فضيل هذا، عن الأعمش وسليمان بن مهران الأسدي، أبو محمد الكاهلي، وهو من كبار الحفاظ, ومن كبار الأئمة، وذكرنا سابقاً أن تدليسه ليس بضار، وقلنا أنه من الطبقة الخامسة وتوفي عام 148هـ، عن أبي صالح، أبو صالح هو دكوان السمان، وأبو صالح ثقة ثبت، موصوف بالعبادة وبالفضل، وهو من الطبقة الثالثة وتوفي عام 101هـ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- { إن للصلاة أولاً وآخرا... الخ} ثم قال أبو عيسى وسمعت محمداً يقول حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت، أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، وحديث محمد بن فضيل خطأ، أخطأ فيه محمد بن فضيل، طبعاً هذا الحديث معلوم والبخاري كما نقل عنه الترمذي هنا أنه ضعف هذا الحديث، ويرى أن هذا الحديث من قول مجاهد وليس مرفوعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضاً وافق البخاري على هذا التعليل يحيى بن معين شيخ البخاري، فأيضاً قد عل هذا الحديث كما في كتابه التاريخ، أيضاً رجح أن هذا الحديث من قول مجاهد، وليس من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك أيضاً أبو الحسن الدار القطني كما في كتابه السنن، قال: أن محمد بن فضيل قد وهم في هذا الحديث، وكذلك أيضاً أبو حاتم الرازي، كما نقل عنه ابنه ابن أبي حاتم أبو عبد الرحمن، وكل هؤلاء الحفاظ اتفقوا على تعليل هذا الحديث, وتضعيفه، وذهب أبو محمد بن حزم رحمه الله, وكذلك ابن الجوزي، وابن القطان الفاسي، إلى أن هذا الحديث صحيح موصولاً، فقالوا أن للأعمش في هذا الحديث طريقان: الطريق الأول: الذي رواه عنه محمد بن فضيل عن أبي صالح عن أبي هريرة، والطريق الثاني: الذي رواه عنه أبو إسحاق البزاري عن الأعمش عن مجاهد، وطبعاً الراجح هو ما ذهب إليه يحيى بن معين, والبخاري, وأبو حاتم الرازي، والدار قطني، ووجه الخلاف بين هؤلاء وبين من ذهب إلى تصحيح هذا الحديث: أن هؤلاء المتأخرين يرون أن زيادة الثقة مقبولة مطلقاً، وقلنا أن هذا ليس بصحيح، بل الصحيح على حسب القرائن، إذا كان هذا الشخص الذي أوصل الحديث أحفظ من الذي وصل، فيقدم الموصل، ويقدم من هو أحفظ، كذلك إذا كان هؤلاء الذين أوصلوا أكثر عدداً يقدمون هؤلاء الذين هم أكثر عدداً، فهذا هو مذهب الأئمة في التعليل في هذه المسألة، فالأقرب أنه عن الأعمش عن مجاهد، ليس مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأبو الفضيل كما ذكر أهل العلم قد أخطأ في هذا الحديث، وأبو إسحاق البزاري يعتبر من كبار الحفاظ، ومحمد بن فضيل تفرد في وصل هذا الحديث عن الأعمش، فأين أصحاب الأعمش عن هذا الحديث؟ أين أصحاب الأعمش الملازمين له سفراً وحضراً في هذا الحديث، فالأقرب هو رواية إسحاق البزاري عن الأعمش عن مجاهد من قوله,كذلك أيضاً يؤيد رواية أبي إسحاق البزاري أن محمد بن فضيل مشى على الجادة، والجادة في حديث الأعمش أن الغالب عليه عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة، وأهل العلم يقولون أن من خالف الجادة يقدم على من سلك الجادة، فكثير من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، فيعتبر محمد بن فضيل مشى على المشهور من حديث الأعمش، في داخل القرائن الأخرى التي ذكرناها سابقاً، والتي تفيد أن ابن فضيل قد أخطأ في وصف هذا الحديث، وكما ذكرت الدليل الأول: أن ابن فضيل تفرد في وصف هذا الحديث، والدليل الثاني: هو مخالفة أبو إسحاق البزاري لمحمد بن فضيل في وصل هذا الحديث، فالأقرب هو رواية من أرسل وهي رواية أبو إسحاق البزاري, وأنه من كلام مجاهد, وليس مرفوعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، ورواية من وصل الحديث قد أخرجها ابن ملزم، وابن أبي شيبة، والطحاوي، أخرجها ابن أبي شيبة في كتابه المصنف، وابن ملزم في كتابه الأوسط، وكذلك أيضاً الطحاوي في كتابه شرح معاني الآسار، وكذلك أيضاً أبو عيسى الترمذي أعاد رواية أبي إسحاق البزاري في كتابه العلل الكبير، ونقل عن البخاري ما نقله هنا في كتابه السنن، هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
التلقين: مثاله مثل الإمام في الصلاة عندما يتوقف، عندما يخطئ في القراءة، أو يتوقف فيرد عليه أحد المأمومين الذين خلفه، فهذا يسمى تلقين، يعتبر هذا المأموم قد لقن هذا الإمام، فهذا التلقين، فمرات المحدث يكون غير حافظ لحديثه، فيلقنه أحد الجالسين، فقد يدخل عليه أحاديث ليست من حديثه، لأن هذا الشخص يقبل التقلين، وذكرنا سابقاً أن التلقين على قسمين: قسم ضار, وقسم ليس بضار، القسم الذي ليس بضار: إذا كان هذا التلقين من كتابه، إذا كان يلقن أحاديث من كتابه، فهذا ليس بضار، أما إذا كان ليست هذه الأحاديث من كتابه, بل من حفظ هؤلاء الموجودين عنده، فهذا يعتبر ضار .
يحيى بن سعيد من كبار الحفاظ، يعني بن لهيعه، مع أسامة بن زيد الليثي, مع أيضاً عبد الرحمن بن الحارث لا يقاربونه، لكن الحفظ مقدم؛ يعني يحيى بن سعيد أحفظ من هؤلاء الثلاثة في اجتماعهم وما في شك، ثم أيضاً أن هؤلاء لزموا الجادة، فهو خالف الجادة، فيقدم عليهم .
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله: أما بعد:
قال أبو عيسى الترمذي - رحمه الله - تعالى: حدثنا أحمد بن منيع، هو ابن عبد الرحمن البروي أبو جعفر الأصم، وهو ثقة حافظ، من الطبقة العاشرة وتوفي عام 244هـ، وكانت ولادته عام 160هـ، ولأحمد بن منيع هذا مسند، وهذا المسند ذكره الحافظ ابن حجر في (( المطالب العالية)) والحسن بن الصباح البزار: هو أبو علي الواسطي، نزيل بغداد، وهو من الطبقة العاشرة أيضاً وتوفي عام 290هـ، والحسن بن الصباح ثقة لكن وقع فيه الخلاف نوعاً ما، فوثقه الإمام أحمد فقال: ثقة صاحب سنة، وكذلك أبو حاتم الرازي، وقال عنه صدوق: له جلالة عفيفة في بغداد، وذكره ابن حبان في كتابه ((الثقات)), وأخرج له البخاري في صحيحه، لكن تكلم فيه النسائي فقال في رواية عنه صالح، وقال في كتابه الثنى ليس بالقوي، طبعاً والجواب عن كلام النسائي هذا، أولاً أن كلام النسائي هذا تليين يسير لهذا الشخص، فمعنى ليس بالقوي معناه الصالح، كما في بالرواية الأخرى، فمعنى ليس بالقوي أي معناه صالح، فهذا تليين يسير، ثم إن هذا التليين أيضاً مجمل، وثالثاً أنه معارض بتوثيق من وثقه وهم: الإمام أحمد, وأبو حاتم الرازي, وكذلك ابن حبان، فهذا التليين المجمل معارض بتوثيق من وثقه وهم الجمهور، الإمام أحمد وأبو حاتم وابن حبان وأيضاً في رواية البخاري له في صحيحه، أيضاً دليل على ثقته عند البخاري، والراجح في هذا الراوي أنه ثقة، وهذا القول اختاره الحافظ الذهبي في كتابه (( المغني في الضعفاء)) وكذلك أيضاً في كتابه الميزان، فالراجح في الحسن ابن الصباح أنه ثقة، وأن كلام النسائي فيه - رحمه الله - لم يؤثر فيه، لأنه كما ذكرنا أن كلام النسائي هذا تليين يسير, ثم هو أيضاً مجمل, ثم هو معارض بتوثيق الجمهور، ورابعاً أيضاً أن النسائي - رحمه الله - عنده شدة نوعاً ما، وذكرنا سابقاً أن النسائي - رحمه الله - من النقاد المتشددين، وذكرنا سابقاً أيضاً أن علماء الجرح والتعديل على ثلاثة أقسام: منهم من هم متشدد، ومنهم من هو معتدل، ومنهم من هو متساهل، وذكرنا سابقاً أنه عندما يختلف هؤلاء النقاد أنه يراعى في اختلافهم طبعاً قواعد الجرح والتعديل وهي كما ذكرنا تقريباً خمسة عشر قاعدة، لكن أقوى هذه القواعد، أو التي دائماً تفضل هي قاعدتان: القاعدة الأولى مكانة هذا الجارح، فعندما يجرح البخاري ليس جرحه مثل جرح ابن حبان رحمه الله، وعندما يجرح الإمام أحمد - رحمه الله - ليس جرحه مثل جرح أبي حاتم الرازي، أو جرح ابن فتح الازدي، فما في شك هو أعلى درجات، فينبغي أن يقدم كلام هذا الناقد من حيث مكانته في العلم، فكما هو في علم الأصول أن الحديث المتواتر مقدم على الآحاد، فكذلك أيضاً فالشخص له مكانة في علم الجرح والتعديل ينبغي أن يقدم على غيره، والأمر الثاني هو أن يراعى قول المعتدل، وقول المعتدل مقدم على قول المتشدد, وكذلك أيضاً على قول المتساهل، فالنسائي - رحمه الله - عنده تشدد نوع ما، فالراجح في هذا الشخص أنه ثقة.
قال: وأحمد بن محمد بن موسى، هو أبو العباس السمسار وهو أيضاً ثقة وتكلمنا عليه في ما سبق، ورجحنا أنه ثقة، وذكرنا أن قول من قال أنه ثقة حافظ فيه مبالغة, وزيادة في الثناء على أحمد بن محمد بن موسى، والذي دل عليه الحفاظ أنه ثقة فقط ولا يصل إلى درجة الحفظ، الذي دل عليه كلام النقاد أنه ثقة فقط ولا يصل إلى درجة الحفظ، وهو من الطبقة العاشرة، قالوا حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، إسحاق بن يوسف هو ابن مرداس المخزومي الواسطي، المعروف بإسحاق الأزرق، وهو من الطبقة التاسعة، وتوفي عام 195هـ، وكانت ولادته في عام 117هـ، وقد أخرج له الجماعة، وإسحاق بن يوسف يكاد الأئمة يتفقون على توثيقه وعلى الثناء عليه، وبالذات في روايته عن شريف بن عبد الله القاضي، روايته عن شريف مقدمة عن رواية غيره، وذكرنا سابقاً أن شريف بن عبد الله حديثه على ثلاثة أقسام وذكرنا أن أصح أحاديثه ما كان من كتابه، وإسحاق الأزرق ممن يروي عنه من كتابه، إسحاق الأزرق كما نص الأئمة ممن روى عن شريف بن عبد الله من كتابه، عن سفيان الثوري، سفيان هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، وهو من كبار الأئمة, ومن كبار حفاظ الأمة، وهو من الطبقة السابعة، وتوفي في عام 161هـ، وقد أخرج له الجماعة، وطبعاً كثير ما، أو في بعض المرات يشترك سفيان الثوري بسفيان بن عيينة، وطبعاً ما في شك أنهم يشتركون في بالرواية عن بعض الشيوخ، كما أن بعض التلاميذ يشتركون في بالرواية عنهم، لكن في الغالب أنه إذا روي عن الثوري يقال: حدثنا سفيان ويطلق ولا يقيد، يقال سفيان، إذا كان هذا هو الثوري، وإذا كان ابن عيية يقال حدثنا ابن عيينة، وإذا أطلق سفيان عند أهل العلم ينصرف إلى الثوري، إذا أطلق عند أهل العلم, وبالذات عند أهل الحديث ينصرف إلى سفيان الثوري؛ لأنه أشهر وأجل من سف