سورة التوبة 009 - الدرس ( 69-70 ) : تفسير الآيات 124 - 127، التعميم من العمى، الفتنة امتحان للإنسان.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2011-09-09
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
تفاوت موقف الناس من آيات الله عز وجل :
أيها الأخوة الأكارم، مع الدرس التاسع و الستين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الرابعة والعشرين بعد المئة وهي قوله تعالى:
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام، السورة من معانيها أن عدداً من آيات القرآن الكريم مسورة بسور خاص، يجعل لهذه الآيات موضوعاً واحداً، أو محوراً واحداً ينتظمها، إذاً السور جمعت الآيات توقيفاً، فكانت كل مجموعة من الآيات سورة، أي تحوم حول محور واحد، فقال تعالى:
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ﴾
الآن هذه السورة أُنزلت، وهذه الآيات تُليت، لكن موقف الآخرين من هذه الآيات متفاوت، الله عز وجل حينما ذكر أهل النفاق والفجور قال:
﴿ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ﴾
[ سورة الإسراء]
أما إذا قرؤوا آيات القرآن ازدادوا إيماناً، فالمؤثر واحد، بينما النتائج متباينة، بسبب استعداد الإنسان لقبول هذه الآيات، هذا الاستعداد يكون لتفريغ القلب من الشهوات، لأن:
((حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي ويُصِمّ ))
[أخرجه أبو داود عن أبي الدرداء]
الإنسان إذا امتلأ قلبه بالشهوات إذاً هو بعيد عن رب الأرض والسموات، بعيد عن منهج الله، بعيد عن فهم كلام الله، أحد أسباب فهم كلام الله أن يكون الإنسان طاهراً من كل عيب، مبرأ من كل نقص، لذلك أهل الإيمان يزدادون إيماناً بتلاوة القرآن، بينما أهل الكفر والعصيان يعدون القرآن عاماً عليهم، بل لا يزيدهم إلا ظلاماً، أو إلا ضلالاً.
تطابق فطرة الإنسان مع منهج الله عز وجل :
إذاً:
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ﴾
الله عز وجل بين الفاعلية في الآيات والانفعال في الآيات، للتقريب: أنت حينما تقول: كسرت هذا الشيء فانكسر، أي هذا الشيء قابل للكسر، فالله عز وجل أودع في كل إنسان قابلية للإيمان، والدليل أن فطرة الإنسان متوافقة تماماً مع منهج الله، الآية الكريمة:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
[ سورة الروم الآية: 30]
كل أمر أمرك الله به، أنت مبرمج، مولف، على قبوله، وعلى أن تسعد به، فلذلك تطابق الفطرة مع المنهج تطابق تام قطعاً، ما من أمر أمرك الله به إلا إذا طبقته تسعد به، وما من نهي نهاك الله عنه إلا إذا ابتعدت عنه تسعد بالبعد عنه.
من خرج عن منهج الله خرج عن فطرته أيضاً :
تطابق الفطرة مع المنهج تطابق تام لماذا؟ والله أعلم لأن الحق دائرة، تتقاطع في هذه الدائرة أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، أنا ذكرت النقل الصحيح أي أنني وصفته بأنه صحيح لماذا؟ لأن هناك نقل غير صحيح، حديث موضوع، أو تأويل مغلوط، لآية قرآنية، إما الخطأ في أصل النص، أو الخطأ في فهمه.
فلذلك الحق دائرة، تتقاطع فيها الدائرة أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، وخط العقل الصريح، هناك عقل صريح، وهناك عقل تبريري، فالإنسان أحياناً كي يدافع عن خطئه، وكي يدافع عن انحرافه، وعن سقوطه، يفتعل أعذاراً غير صحيحة، تبريرات غير صحيحة، فالعقل إما أن يقودك وإما أن تقوده، فإذا قادكَ قادك إلى الخير، في القرآن الكريم ما يزيد عن ألف آية تتحدث عن العقل.
فالحق دائرة، تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، هناك نقل غير صحيح، هناك حديث موضوع، أو هناك تأويل لآية قرآنية، التأويل غير صحيح، فالنقل الصحيح أحد أركان الحق، والعقل الصريح، هناك عقل صريح موضوعي وعقل تبريري، فأهل الانحراف والفجور والفسوق يستخدمون عقلاً تبريرياً ليغطوا انحرافهم.
حينما تأتي دولة عظمى إلى بلد في الشرق الأوسط، وتقول: جئنا من أجل التنمية، من أجل أن نطور هذا البلد إلى وضع حضاري، الحقيقة جاؤوا من أجل النفط، فهذا عقل تبريري، عندنا عقل صريح، فالحق دائرة، تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، وخط العقل الصريح، وخط الفطرة السليمة، الإنسان فطر فطرة سليمة تطابق منهج الله مئة في المئة، لذلك أحد أسباب الراحة النفسية التي لا حدود لها حينما يصطلح الإنسان مع الله عز وجل، أي حركته في الحياة تطابقت مع فطرته، فكان هناك انسجاماً بين فطرته، وبين حركته في الحياة، أما الذي يخالف فطرته، يبني مجده على أنقاض الآخرين، يبني حياته على موتهم، يبني عزه على ذلهم، يبني أمنه على خوفهم، فهذا الذي خرج عن منهج الله هو خارج أيضاً عن فطرته.
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
[سورة طه]
من رفض الحق احتقر نفسه :
أهم شيء في هذا الموضوع تطابق الفطرة أو تطابق النفس بخصائصها مع منهج الله عز وجل، تماماً لو أن مركبة حديثة جداً في أعلى مستوى سرنا بها على طريق وعر، صخور، وأكمات، وحفر، تستمع إلى أصوات مزعجة، والحركة متعثرة، وقد ينكسر بها بعض الأشياء، أما لو نقلتها إلى طريق معبد، تحركت بانسياب عجيب، وبراحة عجيبة، فنقول: هذه السيارة مصممة لهذا الطريق.
والإنسان مصمم ليعرف الله، خُلق ليعرفه، قالوا: الجماد للنبات، والنبات للحيوان، والحيوان للإنسان، والإنسان لمن؟ هو لله، فالإنسان الذي لا يكون لله يحتقر نفسه، والإنسان أحياناً يرفض أشياء كثيرة، هذا الرفض يعني أن هذا الشيء عنده محتقر، إلا أن هناك حالة فريدة إذا رفضت الحق فأنت تحتقر نفسك.
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾
[ سورة القرة الآية: 130]
لأن الله خلقك لتعرفه، خلقك له، فإذا عرفت سرّ وجودك، وغاية وجودك، إذا عرفت أنك مخلوق لجنة عرضها السموات والأرض، عندئذٍ تسعد، وعندئذٍ يفرح الله بك.
البشر عند الله فريقان لا ثالث لهما :
أيها الأخوة الكرام، الأرض فيها تقسيمات، وفيها موازين لا تعد ولا تحصى، لكن البشر جميعاً عند الله فريقان، فريق عرف الله، وعرف منهجه، فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، وفريق غفل عن الله، وغفل عن منهجه، وشيء طبيعي جداً أن يتفلت من هذا المنهج، وأساء إلى خلقه فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، ولن تجد صنفاً ثالثاً، والدليل قوله تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل]
صدق أنه مخلوق للجنة، واتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، الرد الإلهي:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل]
كذب أنه مخلوق للجنة، بل آمن أنه مخلوق للدنيا فقط، لذلك استغنى عن طاعة الله، بنى حياته على الأخذ.
لذلك اسأل نفسك السؤال المحرج: ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ؟ إن كان يسعدك أن تأخذ فأنت من أهل الدنيا، وإن كان يسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة.
لذلك هذا النبي الكريم أحد الأخوة الكرام ألّف كتاباً عن سيرته، وقدّمه تقديماً رائعاً، قدّمه للنبي الكريم، قال له: "يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك".
الإنسان إما أن يكون وعاؤه فارغاً من حب الدنيا أو ممتلئاً بها :
إذاً حينما تتنزل سورة وفيها آيات، يقرؤها إنسان فيزداد إيماناً، يقرؤها إنسان فيزداد قرباً، يقرؤها إنسان فيزداد خشوعاً، يقرؤها إنسان فيزداد طاعة لله، يقرؤها إنسان آخر فيزداد بعداً، لذلك الإنسان إما أن يكون وعاؤه فارغاً من حب الدنيا، إذاً هو مهيئاً لاستقبال الحق، أما إذا كان غارقاً في حب الدنيا ولا يعنيه أكان ماله حلالاً أم حراماً، فهذا الوعاء ممتلئ فلذلك:
﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾
[سورة الأحزاب الآية:4]
إما أن يمتلئ القلب من وحي السماء، أو يمتلئ حباً للدنيا، وقد قيل:
((حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي ويُصِمّ ))
[أخرجه أبو داود عن أبي الدرداء]
لذلك:
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ﴾
فيها آيات،
﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ﴾
طبعاً سراً:
﴿ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً ﴾
الآية آية، يسمعها المؤمن فيتألق، يسمعها المؤمن فيستجيب.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
[سورة الأنفال الآية:24]
تعلق العقل بالشموليات و الذكاء بالجزئيات :
والحقيقة أرقى هدى على الإطلاق الهدى البياني، وأنت صحيح قوي، معافى، لك بيت، لك زوجة، لك أولاد، لا تشكو من شيء، لك دخل يغطي نفقاتك، إذا دعاك الله إليه، دعاك إلى طاعته، دعاك إلى عمل صالح، دعاك إلى بذل من مالك، إذا دعاك الله فاستجبت، فهذه أعلى درجة في التوفيق، وفي الذكاء، وفي العقل.
أقول لكم دائماً: ما كل ذكي بعاقل، قد تحمل أعلى شهادة في الفيزياء النووية، ولا تكون عاقلاً، العقل متعلق بالشموليات، أما الذكاء فمتعلق بالجزيئات، فأنت حينما تعرف الله تعد عاقلاً، أنت حينما تطيعه تعد عاقلاً، أما حينما تغفل عن الله، ولو أنك تحمل أعلى شهادة في الأرض، فهذه الشهادة تنفعك في الدنيا فقط، أما إذا جاء ملك الموت فتقول:
﴿ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
[سورة المؤمنون]
الموضوعية قيمة علمية و أخلاقية :
إذاً:
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ ﴾
دقق في:
﴿ فَمِنْهُمْ ﴾
أنا أقول دائماً: الموضوعية هي الأحكام الدقيقة، الموضوعية قيمة علمية، والموضوعية قيمة أخلاقية، أنت إذا كنت موضوعياً فأنت عالم، وأنت إذا كنت موضوعياً فأنت أخلاقي، لذلك أكثر آيات القرآن يقول الله عز وجل:
﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾
[سورة آل عمران الآية:199]
بعضهم، لذلك مرة كنت في جامعة، أحضر مناقشة دكتوراه، يبدو أن الطالب في أثناء شرحه لملخص أطروحته، جاء بعبارة فيها تعميم، قاطعه المشرف، وقال له: اعلم علم اليقين أن التعميم من العمى، لا يعمم إلا أعمى، أما الإنسان العالم فموضوعي.
الإنسان حينما يتعرف إلى الله يزداد إيماناً وقرباً ومحبةً وخشوعاً :
دقق في:
﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾
وإن منهم.
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾
[ سورة التوبة]
ما قال هم،
﴿ فَمِنْهُمْ ﴾
بعضهم، عود نفسك ألا تعمم، والتعميم من العمى، والتعميم دليل جهل، والتعميم دليل سطحية، دائماً أعطِ الحكم الموضوعي، النبي عليه الصلاة والسلام حينما استعرض الأسرى في بدر، فوجئ بصهره، زوج ابنته مع الأسرى، كان هذا الزوج صالحاً فقال عليه الصلاة والسلام لما وصل إليه: " ما ذممناه صهراً ".
هذه موضوعية، هو مشرك، جاء ليحارب النبي، هذا شيء صحيح، أما له ميزة: " ما ذممناه صهراً ".
لذلك أُلّف كتاب فيما قرأت عنه أن أول طبعة خمسة ملايين نسخة، كيف تؤثر في الآخرين؟ جاء عالم من كبار علماء مصر، وأفرغ هذه القواعد على آيات القرآن الكريم، مثلاً: أنت مدير دائرة، صاحب مؤسسة، لك منصب قيادي، عندك موظف يتأخر، هذا خطأ، أما إذا أردت أن تحاسبه فينبغي أن تبدأ بايجابياته، بأمانته، بولائه، بخبرته، ثم حاسبه على تأخره، هذا منهج، قبل أن تنتقل بيّن الإيجابيات.
أذكر أن في السيرة أحد المسلمين دخل إلى المسجد والنبي يصلي في أصحابه، من حرصه على أن يدرك الركعة الأولى، أسرع في حركته، أحدث ضجيجاً، وجلبةً، فلما انتهى من الصلاة قال له النبي الكريم:
((زادَك الله حِرْصاً، ولا تعُدْ ))
[أخرجه البخاري عن أبي بكرة]
فبين أن الإنسان إذا كان مدير مؤسسة، مدير معمل، إذا كان وزيراً يحتل منصباً قيادياً، عنده موظفون، لو أن أحدهم أخطأ ينبغي أن تبين له أولاً إيجابياته، الأشياء الإيجابية في حياته ثم تأتي بلفت نظره لهذا الخطأ، عندئذٍ يقبل هذا.
فلذلك الإنسان حينما يتعرف إلى الله، وحينما يقرأ القرآن يزداد إيماناً، يزداد قرباً، يزداد محبةً، يزداد خشوعاً، يزداد طاعةً.
فضل كلام الخالق على كلام خلقه كفضل الله على خلقه :
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ ﴾
من يقول منهم، الدقة منهم أي ليسوا جميعاً، بعضهم
﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً ﴾
هذا الكلام يقال فيما بين المنافقين، ما هذا الكلام لا معنى له؟ إذاً هذا الكلام كلام خالق الأكوان.
بالمناسبة قالوا: فضل كلام الخالق على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، المسافة بين كلام خالق الأكوان وبين كلام إنسان كما هي المسافة بين الخالق والمخلوق.
فلذلك قيل: إن القرآن كون ناطق، وإن الكون قرآن صامت، وإن النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، والمسلمين اليوم بحاجة إلى مسلم يمشي أمامهم، صادق، أمين، يفي بالعهد، ينجز الوعد، هذه العبادة التعاملية.
العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :
بالمناسبة العبادة الشعائرية كالصلاة والصيام والحج والزكاة لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية، لذلك النبي الكريم:
((سأل مرة أصحابه من المفلس؟ قالوا: من لا درهم له ولا متاع، قال: لا، المفلس من أتى بصلاة، وصيام، وصدقة، وقد ضرب هذا، وشتم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ طرحوا عليه سيئاتهم حتى يُطْرَحُ في النار))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة]
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]
هذه الصلاة، الصيام:
((مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))
[أخرجه البخاري عن أبي هريرة]
الحج:
(( من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك، قال الله له : لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك ))
[الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ]
الزكاة:
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
[سورة التوبة]
فالعبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لما النجاشي سأل سيدنا جعفر: حدثني عن الإسلام؟ قال له:
((أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))
[أخرجه ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب]
إن حدث فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف.
((فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار))
[أخرجه ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب]
هذه هي العبادات التعاملية، والعبادة الشعائرية كالصلاة والصوم والحج والزكاة لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لذلك الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان، لأنه ما فرّغ قلبه من حب الدنيا، لأن الشهوات أعمته وأصمته، لأن انغماسه بالشهوات جعله لا يعي على خير.
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ ﴾
من هؤلاء المنافقين، من يقول سراً:
﴿ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً ﴾
كلام عادي، لأن قلبه مفعم بالشهوات، هذه الشهوات حجاب عن رب الأرض والسموات.
المسلم على ثغرة من ثغر هذا الدين فلا يؤتين من قبله :
﴿ وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾
لأنهم على صواب، لذلك من أدق الآيات التي ينبغي أن ننتبه إليها قوله تعالى:
﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾
[سورة الممتحنة الآية:5]
ما معنى الآية؟ أنت أيها المسلم حينما تخطئ، وحينما يكتشف هذا الخطأ إنسان كافر، يزداد قناعة بكفره، انظر إلى الإسلام كيف هو؟ أنت عندما تسيء لمسلم قد يقول: انظر إلى فلان ماذا فعل معي، المسلم إذا أسأت إليه يقول: فلان فعل معي كذا وكذا، فلان، أما إذا أسأت إلى غير المسلم يقول: الإسلام هكذا، لذلك أنت على ثغرة من ثغر هذا الدين فلا يؤتين من قبلك.
الإنسان سفير هذا الدين، فأي خطأ بالسفير ينسحب على دولته، هذا شيء معروف، أي خطأ بالسفير، لذلك هناك في بعض البلاد للسفراء معاهد عالية يتعلم لغتين أجنبيتين، هو من أسرة راقية، ومعه شهادة علمية، وشهادة أدبية، وشهادة دبلوماسية، معه ثلاث شهادات، ومن أرقى الأسر، وطليق اللسان، وله وسامة، وأنيق، هذا يمثل دولة، أما إذا كان هناك خطأ من سفير هذا الخطأ فينسحب على دولته، أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك.
إذاً :
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
هنا الشاهد:
﴿ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾
أمراض الجسم تنتهي عند الموت لكن أمراض النفس تبدأ آلامها بعد الموت :
﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾
[ سورة التوبة]
أخواننا الكرام، هناك أمراض كثيرة، هناك أمراض ضالة، الورم الخبيث ينتهي بالموت، هناك أمراض كبيرة جداً، وخطيرة جداً، ومن أدعية النبي الكريم: " اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء".
لكن هذه الأمراض مهما تكن عضالة تنتهي عند الموت، ورم خبيث مات صاحبه انتهى المرض، هناك أمراض خطيرة جداً، خثرة بالدماغ، مات، انتهى المرض، أمراض الجسم تنتهي عند الموت، لكن أمراض النفس يبدأ مفعولها بعد الموت، أمراض النفس تبدأ آلامها بعد الموت، فالبطولة أن تكون في الدنيا حريصاً على سلامة نفسك.
(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئة كان عاملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه))
[ورد في الأثر]
إنسان مؤمن له أخطاء في الدنيا الله عز وجل يسوق له بعض الشدائد كي يطهر من هذه الأمراض، فهو الرابح الأكبر، من هنا يقول سيدنا علي: "يا بني ما خير بعده النار بخير، وما شر بعده الجنة بشر، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أجسامهم مفقودة، وأعيانهم موجودة ".
علمهم موجود، الإمام الشافعي من سنوات كثيرة توفاه الله، علمه بيننا، فالإنسان بالعلم يمتد أثره.
إذاً:
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ﴾
أي لم ينتفعوا بها، لم يفهموا شيئاً، لأن الشهوات ملأت قلوبهم، وعاء فيه هواء، وأنت تريد أن تصب فيه الماء، لابد من فقاعات تخرج منه، لابد من إخراج الهواء حتى يدخل الماء، لا يوجد إنسان عنده وعاءين،
﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾
فإذا أفرغت قلبك من حب الدنيا يأتي الحب، إذا كنت مقيماً على شهواتك، مقيماً على معاصيك أنى لك أن تؤمن.
الإيمان تصديق وتوجه إلى الله :
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾
هنا يوجد موضوع دقيقة، يا ترى إيمان الإنسان يزيد وينقص؟ هناك جواب نعم، وهناك جواب لا، الذين قالوا: لا، ما حجتهم؟.
أنت أيقنت أن هذا الضوء متألق، انتهى، متألق، لا يزيد ولا ينقص، حقيقة رأيتها، أدركتها، لكن الإيمان تصديق وإقبال، التصديق ثابت، الله خالق السموات والأرض، لا يتغير فكرة واحدة، رب العالمين، إله العالمين، التصديق حدي لا يزيد ولا ينقص.
لو قلت لك: هذه الطاولة طولها متر ونصف، انتهى الكلام، كلام قطعي، وحدي، لا يحتاج إلى تفسير، ولا تعليل، ولا تدقيق، ولا شيء.
الإيمان كفكر، كمسلمات، كإيمان بالله خالقاً، الإيمان بالله مربياً، الإيمان بالله مسيراً، الإيمان لا يزيد ولا ينقص، والإيمان تصديق وتوجه إلى الله، التصديق لا يزيد ولا ينقص، أما التوجه فيزيد ولا ينقص، فحينما تقبل على الله تزداد إيماناً، أنت إذا أقبلت على الله وصلت إلى الرحيم، فازددت رحمة، إلى العليم، إلى الحكيم، إلى اللطيف، إلى الرؤوف، فأنت إذا أقبلت على الله ازددت حباً، فالإيمان إذا قلت: لا يزيد ولا ينقص على أنه معلومات محددة جداً، الله خالق السموات والأرض، وإذا قلت: الإيمان يزيد وينقص الإيمان فضلاً عن أنه فكر معين، تصور معين، إدراك معين، هو صلة بالله، إقبال على الله، بشكل أو بآخر، الإيمان تصديق وإقبال، والكفر تكذيب وإعراض، فالإيمان بمعنى أنه تصديق لا يزيد ولا ينقص، بمعنى أنه إقبال يزيد وينقص.
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾
حب الدنيا مرض، أمراض الجسم تنتهي عند الموت، أما أمراض النفس فتبدأ بعد الموت.
الحديث عن الله عز وجل يسعد والحديث عن الدنيا لا يسعد :
﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً ﴾
الرجس الشيء القذر، وفي الأصل قذر، ويزداد قذارة.
﴿ إِلَى رِجْسِهِمْ ﴾
مثلاً: اجلس في مجلس وليكن الحديث عن الله عز وجل، تشعر بسعادة كبيرة، بتعابير معاصرة: بالسكينة، اجلس مع أهل الدنيا، والحديث عن المال، والنساء، وما إلى ذلك، وأنت ما عندك كما عندهم، تزداد ألماً، فالحديث عن الله عز وجل يسعد، والحديث عن الدنيا لا يسعد، ثم يقول الله عز وجل:
﴿ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾
[ سورة التوبة]
إيمانه ضعيف، الدنيا تفتنه، الدنيا تصرفه عن الله عز وجل، والحياة الآن فيها صوارف كثيرة، وفيها عقبات كثيرة، فالمؤمن يتجاوز هذه الصوارف، ويتخطى هذه العقبات، أما بلا إيمان قوي؟ بلا معرفة بالله؟ بلا اتصال به؟ بلا إقبال عليه؟ فهناك صوارف لا تعد ولا تحصى تصرفه عن الدين، وهناك عقبات تقف أمام طريقه.
﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ ﴾
هو في الأساس نجس، ويزداد نجاسة.
الله عز وجل قادر أن يحجم كل إنسان و يكشف نواياه :
﴿ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ * أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾
يفتن أحياناً بامرأة، يفتن بمبلغ كبير، من طريق مشبوه، يقول لك: أنا لا آكل مالاً حراماً، ويعبر عن اشمئزازه، لا تأكل مالاً حراماً إذا كان المبلغ ألف ليرة، أما إذا كان مليوناً فتفكر فيها، يقول: أنا عندي أولاد، الله عز وجل قادر أن يحجم كل إنسان، تكلم عن نفسك ما شئت لكن الله قادر أن يضعك في موقف دقيق جداً تكشف نواياك، لذلك:
﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾
[ سورة الممتحنة الآية: 5]
إذا الإنسان كان بعيداً عن الدين ورأى مسلماً يقع في خطأ كبير، هذا المسلم يقنع هذا البعيد عن الدين بكفره، أنا لا أعمل هكذا، أما عندما يكون المسلم مستقيماً فيقيم الحجة على الآخرين.
بطولة الإنسان أن ينجح بالامتحانات التي تعرض عليه :
﴿ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ﴾
طبعاً الإنسان أحياناً يفتن بالمرأة، يفتن بالمال، يفتن بالجاه، معنى يفتن أي امتحن ولم ينجح، وقد ينجح، يفتن بالمرأة ويقول:
﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
[ سورة يوسف الآية: 23]
سيدنا يوسف فُتن بالمرأة، امرأة العزيز جميلة جداً، وهو شاب، وغريب، ومسافر، لكنه قال:
﴿ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾
فتن فنجح، هناك إنسان يفتن فيرسب، فالبطولة أن تنجح بالامتحان، والله عز وجل قال:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
[ سورة الملك]
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
[ سورة المؤمنون]
والإمام الشافعي سُئل: ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ فقال: لن تمكن قبل أن تبتلى.
المؤمن يمر بمراحل، مرحلة التأديب إذا كان هناك أخطاء، مرحلة الامتحان إذا لم يكن هناك أخطاء، مرحلة التمكين، هذه المراحل الثلاث إما أن تتداخل، أو أن تتمايز، مرحلة تأديب، مرحلة امتحان، مرحلة إكرام، أو أنه باليوم الواحد موقف فيه تأديب، موقف فيه امتحان، موقف فيه تمكين:
﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾
من انصرف عن الله صرف الله قلبه عن معرفته :
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾
[ سورة التوبة]
يتداولون حديثاً فيما بينهم، يطعن بهذا الذي أُنزل عليهم.
﴿ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾
إذا انصرف الإنسان عن الله صرف الله قلبه عن معرفته، الله عز وجل أعطانا الخيار.
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
[ سورة الإنسان]
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
[ سورة الكهف الآية: 29]
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
[ سورة الأنعام]
أيها الأخوة الكرام،
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ﴾
تداولوا أنهم لم يقبلوا بهذا القرآن، ولم يعبؤوا به، ولم يروا فيه شيئاً ذا بال، فلذلك:
﴿ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾