سورة المائدة
هي سورة مدنية، نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم في أواخر أيامه في لمدينة قبل حجة الوداع و بعض آياتها نزلت بعد حجة الوداع.قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"علموا رجالكم سورة المائدة"و قالت عنها السيدة عائشة: " هي من آخر ما نزل من القرآن، فما وجدتم فيها من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه" ذُكرت "يا أيها الذين آمنوا" 88 مرة في القرآن الكريم منها 16 مرة في هذه السورة وحدها. هدف السورة الوفاء بعهودنا و عقودنا مع الله عز و جل. سبب التسمية طلب الحواريون من عيسى عليه السلام أن يدعو الله أن ينزل عليهم مائدة من السماء فقال لهم تعالى " إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا شديدا"، وهنا ترهيب شديد من عاقبة نقض العهد مع الله و ما سوف يعقبه من عذاب شديد، و أتت آية "اليوم أكملت لكم دينكم " في نفس السورة لتؤكد أن الدين قد اكتمل و الواجب علينا بعد ذلك الحفاظ عليه. بدأت السورة بقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " و معناها يا من آمنتم بالله و رضيتم به رباً و دخلتم في دينه و قبلتم القيام بكل ما أمركم به أوفوا بعقودكم و عهودكم مع الله تعالى. و كان الصحابة حين يسمعون كلمة يا أيها الذين آمنوا يصغون السمع و يقولون ما بعد ذلك إما خير نؤمر به أو شر ننهى عنه. و يمكننا أن نطبق السورة عملياً علينا خصوصاً في رمضان حيث تكثر الطاعات و يكثر المقبلون على الله تعالى فهل سيستطيع هؤلاء أن يفوا بعهودهم مع الله حتى بعد رمضان؟ الآية 1 بدأت بالحلال من الطعام و الطيبات منه و قال تعالى " أحلت لكم بهيمة الأنعام " فذكر الحلال و لم يقل حرمت عليكم كذا لأن الأصل في الأشياء الحلال و ليس التحريم فديننا لا يضيق علينا في حياتنا بل يشرع و يحدد لنا الأسس التي نسير عليها، و هنا نلاحظ أن السورة بدأت بالضروريات و هي الطعام الذي لا يستغني عنه الإنسان. الآية 2 فيها أيضا نداء للمؤمنين بالحرص على شعائر الله و التأكيد على التعاون بين المسلمين بعضهم البعض على البر والتقوى.
الآية 3 فيها توضيح للمحرمات من الطعام ثم ذكر فيها " اليوم أكملت لكم دينكم " أي أن الدين قد اكتمل و بعد الاكتمال يأتي دور الوفاء بكل ما جاء فيه من عهود الآية 5 جاءت على ذكر الطيبات من الزوجات و بيان أن الزواج من الكتابيات حلالثم جاءت الآية 6 " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم " فبعد أن ذكر في الآيات السابقة طيبات الدنيا من طعام و زوجات جاء على ذكر طيبات الروح من وضوء و طهر قبل الصلاة. و بعد كل ما سبق من عهود واجبة الوفاء جاءت.
الآية 7 تؤكد على الوفاء " و ميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا و أطعنا "فهي آية تذكر بالعهد و الوعد و الميثاق و تركز على وجوب السمع و الطاعة من المؤمنين ثم عادت السورة مرة أخرى إلى العهود فجاءت الآية 8 و بدأت بنفس النداء " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط " و تنادي هذه الآية بالعدل و تطبيقه حتى لو ظلمنا الغير فقالت "اعدلوا هو أقرب للتقوى" و بعدها جاءت الآية 9 توضح لنا أن المثل الأعلى لله تعالى و هو يوفي بوعوده فهل سنوفي نحن أيضا بوعودنا معه تعالى، ثم جاء العهد التالي في الآية 11 بضرورة الوفاء بالعقود مع الغير ثم انتقلت السورة بعد ذلك للحديث عن بني إسرائيل فهم أكثر من نقض العهود على مر الزمان و ذكرت السورة في الآية 13 عاقبة نقض العهد " فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم" فبين أن الله لعنهم لنقضهم العهد، و في الآيات 20 إلى 26 ذكر قصة أمر موسى لهم بالدخول للأرض المقدسة و تهاونهم و تخاذلهم فكان عقاب الله لهم أن قال " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة"
في الآيات التالية ذكر الله تعالى قصة ابني آدم في الآيات 27 إلى 31 و يمكننا هنا أن نربط بين القصتين فبنو إسرائيل نقضوا العهد لجبنهم و تخاذلهم، و قابيل ابن آدم نقض العهد و قتل أخاه لتهوره و اندفاعه فبين الله لنا في المثلين المتتاليين أن كلا التصرفين خطأ الجبن و التهور و كلاهما يؤدي إلى نقض العهد مع الله.
و جاءت الآية 35 بعد ذلك توضح لنا أن تقوى الله سبحانه وتعالى من أهم الوسائل المساعدة للوفاء بالعهود معه تعالى.، الآيات من 51 إلى 66 فيها نداء آخر " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " و هنا لا يجب أن نفهم أن المطلوب هو عدم التسامح مع أهل الكتاب و لكن المطلوب هو الحفاظ على هويتنا و شخصيتنا المسلمة و البعد عن التقليد الأعمى. جاءت الآية 54 بنداء جديد "من يرتد منك عن دينه " و اللهجة فيها لطيفة فلم يخاطب تعالى من يريد البعد عن طريقه بالوعيد الشديد بل قال "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه" أي أن دين الله باق فمن أراد الابتعاد عن طريق الله فهو الخاسر الوحيد و سيأتي من يحب الله و يعبده حق عبادته. في الآية 90 ذُكر تحريم الخمر و الميسر فلا يمكن أن يتم السماح بشرب ما يذهب العقل و يوقع البغضاء مع كل ما سبق من عهود يجب الالتزام بها .ثم جاءت الآيتان 101 و102 " لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ففيهما رحمة من الله تعالى و تخفيف على المسلمين بأن قال لهم لا تسألوا على شيء ما لم يذكره الله حتى لا تضيقوا على أنفسكم. في الآية 105 " عليكم أنفسكم " و قال عنها أبو بكر أن هذه الآية فهمها الناس على غير ما هي عليه، فالناس فسروها بأن كل إنسان ينفرد بنفسه ولا يهتم بغيره، بالرغم من أن المعنى المقصود التأكيد على التمسك الشديد بدينك مهما عصى من حولك فلو وجدت كل البشر عاصين غافلين اثبت أنت على دينك .و جاء ختام السورة " يوم يجمع الله الرسل " الآية 109 ففيها تذكير بأن الموعد النهائي هو يوم القيامة و فيه توفى كل نفس حسابها