فصل في الذكر بعدها
أي في الدعاء والذكر المشروع بعد الصلاة وقد أجمع العلماء على استحبابه بعدها.
(عن ثوبان) مولى رسول الله –صلى الله عليه و سلم- صحابي مشهور اشتراه ثم أعتقه فخدمه إلى أن مات. يقال أنه من حكمي بن سعد بن حمير مات بالرملة سنة أربع وخمسين (قال كان رسول الله – صلى الله عليه و سلم- إذا انصرف من صلاته) أي سلم منها (استغفر ثلاثًا) بلفظ استغفر الله. وقيل للأوزاعي كيف الاستغفار قال تقول استغفر الله، استغفر الله وهو إشارة إلى أن العبد لا يقوم بحق عبادة مولاه لما يعرض له من الوساوس والخواطر فشرع له الاستغفار ثلاثًا يبدأ به قبل كل شيء بعد السلام حال، قعوده تداركًا لذلك. وشرع له أن يضيف ربه بالسلام ويعظمه ويمجده.
(وقال) يعني رسول الله – صلى الله عليه و سلم - عقب الاستغفار ثلاثًا (اللهم أنت السلام ومنك السلام) الأول من أسماء الله تعالى والثاني نطلب السلامة من شرور الدنيا والآخرة (تباركت) بلغت في البركة نهايتها (يا ذا الجلال والإكرام العظمة والكبرياء والغنى المطلق والفضل التام (رواه مسلم والخمسة وغيرهم وهذا من عظائم صفاته تعالى، ولذا قال – صلى الله عليه و سلم - "ألظوا" أي إلزموا وثابروا "بياذا الجلال والإكرام" ومر – صلى الله عليه و سلم - برجل يصلي وهو يقول يا ذا الجلال والإكرام فقال قد استجيب لك.
(وعن عبد الله بن الزبير أنه كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة –حين يسلم- لا إله إلا الله وحده لا شريك له) في ألوهيته ولا ند له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله (له الملك) ظاهرًا وباطنًا (وله الحمد) في الأولى والآخرة (وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن) على ذاته وصفاته وأفعاله (لا إله إلا الله مخلصين له الدين) أي مخلصين العبادة لله وحده لا شريك له والدين اسم لجميع ما يتعبد به (ولو كره الكافرون) جميعهم إخلاصنا الدين لله.
(قال) يعـني عـبد الله الزبـير (وكان رسـول الله صلى الله عليه و سلم - يهل بهن) أي يرفع بهن صوته وفي لفظ كان يقول بصوته الأعلى (دبر كل صلاة رواه مسلم) ودبر كل شيء آخره وعقبه. ويوضحه قوله حين يسلم فينبغي أن يلي السلام بعد الاستغفار. وفيه دلالة على مشروعيته والجهر به ففي الصحيح أن رفع الناس أصواتهم بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله – صلى الله عليه و سلم و لهما عن المغيرة بن شعبة أن النبي – صلى الله عليه و سلم - كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت. ولا معطي لما منعت. ولا ينفع ذا الجد منك الجد" وقال لمعاذ "لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشركك وحسن عبادتك" رواه أبو داود وغيره بسند جيد وهذه الكلمات عامة لخير الدنيا والآخرة.
(وله عن أبي هريرة قال قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم - من سبح الله) أي قال سبحان الله (دبر كل صلاة) أي عقب كل فريضة (ثلاثًا وثلاثين وحمد الله) أي قال الحمد لله (ثلاثًا وثلاثين) مرة (وكبر الله) أي قال والله أكبر (ثلاثًا وثلاثين) مرة فتلك تسع وتسعون" ولهما عنه "تسبحون وتحمدون وتكبرون ثلاثًا وثلاثين فتلك تسع وتسعون" (وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كـل شـيء قـدير غـفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) وهو ما يعلوا عليه عند اضطرابه.
وسببه أن فقراء المهاجرين قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلي والنعيم المقيم. فقال وما ذاك قالوا يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق. ويعتقدون ولا نعتق فقال ألا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم قالوا بلى قال تسبحون" الحديث، وورد بألفاظ. قال الشيخ وغيره لعله من تصرف الرواة وهذا أجمعها. ويستحب أن يعقده. والاستغفار بالأنامل لحديث بسرة وغيره.
(وعن أبي ذر مرفوعًا من قال بعد صلاة الصبح) وفي لفظ "في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم" (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت) زاد الطبراني "وهو حي لا يموت بيده الخير" (وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له كذا وكذا) أي كتب له عشر حسنات. ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحرز من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله رواه الخمسة وصححه الترمذي.
(زاد أحمد عن معاذ والمغرب) أي قـال ذلك بعـد صلاة المغرب والصبح وللترمذي والنسائي من حديث عمارة بن شبيب نحوه، وقال على أثر المغرب؛ ولأحمد وغيره نحوه من حديث أم سلمة ولا خلاف في استحبابه وأخرجه الرافعي بلفظ "إذا صليتم صلاة الفرض فقولوا عقب كل صلاة عشر مرات" الحديث والمراد بعد قول ما تقدم في حديث ابن الزبير وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم من حديث الحارث اللهم أجرني من النار سبع مرات ويسبح بعد ذلك.
ولأحمد وغيره عن أبي أمامة وغيره يقرأ سرًا بعد كل صلاة آية الكرسي وصححه في المختارة. وقال ابن القيم له طرق تدل على أن له أصلاً ويقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين لحديث عقبة رواه أهل السنن. وعن سعد بن أبي وقاص أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم الغلمان الكتابة ويقول إن رسول الله – صلى الله عليه و سلم - كان يتعوذ بهن دبر الصلاة. "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمل، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر" رواه البخاري وللترمذي وصححه من حديث علي كان إذا سلم من الصلاة قال اللهم اغفر لي ما قدمت وتقدم. ولمسلم من حديث البراء كان يقول بعد الصلاة رب قني عذابك يوم تبعث عبادك، ووردت أذكار غير ما تقدم.
ويستحب للعبد إذا فرغ من صلاته واستغفر الله وذكره وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقب الصلاة مما تقدم وغيره أن يصلي على النبي – صلى الله عليه و سلم - ويدعو بما شاء فإن الدعاء عقب هذه العبادة مستجاب، وللترمذي وصححه من حديث فضالة "إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي – صلى الله عليه و سلم - ثم ليدع بما شاء" وقالت عائشة الذكر بعدها مثل مسح المرآة بعد صقالها فقمن أن يستجاب للداعي حينئذ. وأما دعاء الإمام مستقبل القبلة مستدبر المأمومين، فقال الشيخ وغيره بدعة، وقال لم ينقل أنه يدعو هو والمأمومون جميعًا بعد الخروج من الصلاة ولا استحب ذلك أحد من الأئمة.