موضوع: معرفة شروط إنكار المنكر السبت مايو 18, 2013 5:22 pm
معرفة شروط إنكار المنكر
إنَّ لإنكار المنكر شروطا يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يعرفها ويراعيها عند إزالته للمنكر، حتى لا يقع أثناء تغييره للمنكر في منكر مساوٍ أو أكبر منه، وهذه الشروط هي:
التحقق من كونه منكرا
والمنكر كل ما نهى عنه الشارع سواء كان محرما أو مكروها، وكلمة المنكر في باب الحسبة تطلق على كل فعل فيه مفسدة أو نهت عنه الشريعة، وإن كان لا يعتبر معصية في حق فاعله إما لصغر سنه أو لعدم عقله، ولهذا إذا زنا المجنون أو هم بفعل الزنا، وإذا شرب الصبي الخمر كان ما فعلاه منكرا يستحق الإنكار، وإن لم يعتبر معصية في حقهما لفوات شرطي التكليف وهما البلوغ والعقل.
ويندرج في المنكر جميع المنكرات سواء من صغائر الذنوب أم من كبائرها، وسواء أكانت تتعلق بحق الله تعالى أم بحق خلقه. ولكن ما يجب معرفته أن الذي يملك الحكم على الشئ بأنه منكر أو غير منكر هو الشرع، فليس هناك مجال للأهواء أو العواطف، أو الأغراض الشخصية، ودور العلماء في ذلك إنما هو استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، والأصول والقواعد المستوحاة منهما، ومن ثم الحكم على هذا الأمر بأنه منكر أو غير منكر بالدليل القاطع والحجة البينة.
أن يكون المنكر موجودا في الحال
وله ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يكون المنكر متوقعا كالذي يتردد مرارا على أسواق النساء، ويصوب النظر إلى واحدة بعينها، أو كشاب يقف كل يوم عند باب مدرسة بنات ويصوب النظر إليهن، أو كالذي يتحدث بهاتف الشارع بصوت مرتفع مع امرأة ويحاول أن يرتبط معها بموعد، أو يسأل بكثرة عن كيفية تصنيع الخمر وطريقة تركيبه. فعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في هذه الحالات الوعظ، والنصح، والإرشاد، والتخويف بالله سبحانه وتعالى من عذابه وبطشه
الحالة الثانية: أن يكون متلبسًا بالمنكر كمن هو جالس وأمامه كأس الخمر يشرب منه، أو كمن أدخل امرأة أجنبية إلى داره وأغلق الباب عليهما ونحو ذلك، ففي هذه الحال يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الإنكار عليه ونهيه من ذلك طالما أنه قادر على إزالة المنكر ولم يخف على نفسه ضررا أو أذى
الحالة الثالثة: أن يكون فاعل المنكر قد فعله وانتهى منه ولم يبق إلا آثاره، كمن شرب الخمر وبقيت آثاره عليه أو من عرف أنه ساكن أعزب وخرجت من عنده امرأة أجنبية عنه، ونحو ذلك. ففي هذه الحال فليس هناك وقت للنهي أو التغيير، وإنما هناك محل للعقاب والجزاء على فعل المعصية. وهذا الأمر ليس من شأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر - المتطوع - وإنما هو من شأن ولي الأمر أو نائبه، فيرفع أمره للحاكم ليصدر فيه الحكم الموافق للشرع
وقد أشار الغزالى إلى هذه الحالات بقوله: (المعصية لها ثلاثة أحوال: أحدها: أن تكون متصرمة، فالعقوبة على ما تصرم منها حد أو تعزير، وهو إلى الولاة لا إلى الآحاد، الثانية: أن تكون المعصية راهنة، وصاحبها مباشر لها، كلبسه الحرير، وإمساك العود والخمر، فإبطال هذه المعصية واجب بكل ما يمكن ما لم تؤد إلى معصية أفحش منها أو مثلها، وذلك للآحاد والرعية، والثالثة: أن يكون المنكر متوقعا، كالذي يستعد بكنس المجلس وتزيينه وجمع الرياحين لشرب الخمر وبعد لم يحضر الخمر، فهذا مشكوك فيه، إذ ربما يعوق عنه عائق فلا يثبت للآحاد سلطة على العازم على الشرب إلا بطريق الوعظ والنصح، فأما التعنيف والضرب فلا يجوز إلا إذا كانت المعصية علمت منه بالعادة المستمرة، وقد أقدم على السبب المؤدي إليها، ولم يبق لحصول المعصية إلا ما ليس له فيه إلا الانتظار)
ويقول العلامة ابن نجيم في بحث التعزير: ( قالوا لكل مسلم إقامته حال مباشرة المعصية، وأما بعد الفراغ منها - أي المعصبة - فليس ذلك لغير الحاكم). أن يكون ظاهرا من غير تجسس ما لم يكن مجاهرا
وذلك أن الإسلام ضمن للإنسان أن يعيش في المجتمع آمنا مطمئنا محترما موقرا طالما أنه سلك الطريق الصحيح المستقيم، أما إذا حاد عن الطريق فإن الإسلام جعل لكل أمر معوج ما يناسبه من الإصلاح والتقويم، ومن الأمور التي شرعها الإسلام لاحترام الإنسان وأمنه النهي عن التجسس عليه، فلا يجوز للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتسور الجدران أو يكسر الأبواب ليطلع على بيوت الناس ويتجسس عليهم ما لم يظهر شئ من ذلك، إذ إن الله تعالى نهانا أن ندخل البيوت إلا بأذن من أصحابها، والأصل في هذا قول الله تعالى: { ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا }سورة النور ، الآية 27 .
بل إن الإسلام حرم النظر إلى داخل البيوت من أحد الثقوب أو الفتحات، وأسقط الشارع الحكيم حد القصاص والدية عمن فعل ذلك، فعن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم لو أنَّ امرأً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح
وإذا كان الإسلام حرم الدخول إلى بيوت الناس والنظر إلى داخلها بغير إذن، فإنه - أيضــا - حرم التجسس يقول سبحانه: {:ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا"} سورة الحجرات ، الآية 12.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا }
وعن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم }
أما إذا جاهر الشخص بمعصيته سواء كانت مرئية كأن يخرج عند بابه ويضع الفيديو إلى جواره وفيه أفلام خليعة.. أو كانت مسموعة كأن يضع بآلة التسجيل شريطا به غناء ماجن أو موسيقى وغير ذلك، أو كانت مشمومة كأن تظهر رائحة الخمر والمسكر بحيث يشمها من هو خارج المنزل أو قريبا منه، ويتكلم معه، فإنه إذا فعل ذلك يكون قد أضاع الحق الذي أعطاه الإسلام له، ويكون بذلك قد عرض نفسه للإهانة والردع
فعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه }
قال ابن بطال: ( في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله صلى الله عليه و سلم وبصالحي المؤمنــين، وفيه ضرب من العناد لهم..)
ومن خلال ما تقدم من أدلة يبدو لي - والله أعلم- أن الأدلة الواردة في النهي عن التجسس إنما هي خاصة بمن لم يجاهر بالمعصية، أما من يعلن معصيته ويجاهر بها، فإنه يشرع للمحتسب الاحتساب عليه، وذلك لردعه وكف شره.
يؤيد ذلك ما رواه الإمام مالك بن أنس عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أصاب من هذه القاذورات شيئا، فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله
أن يكون الإنكار في الأمور التي لا خلاف فيها
من الأمور اللازمة لنجاح الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتسع صدره لقبول الخلاف فيما يسوغ فيه الخلاف و هناك مسائل فرعية ليست من الأصول يختلف فيها الناس كثيرا، وتتباين أقوالهم فيها و هي في الحقيقة مما يجوز فيه الخلاف، فمثل هذه المسائل لا يكفر من خالف فيها، ولا يُنكر عليه، لأنها مما وسـع الله فيها على عباده، قال تعالى { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين" إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة" } سورة هود ، الآيتان 118-119 .
يذكر الإمام الغزالى - رحمه الله- من شروط الحسبة ( أن يكون كونه منكرًا معلوما بغير اجتهاد، فكل ما هو محل الاجتهاد فلا حسبة فيه)
وروى أبو نعيم بسنده عن الإمام سفيان الثوري -رحمه الله- قوله: ( إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه).
ويستثني القاضي أبو يعلى من ذلك إذا كان الخلاف ضعيفًا في مسألة من المسائل، وقد يؤدي عدم الإنكار إلى محظور متفق عليه، إذ يقول ما ضُعف الخلاف فيه، وكان ذريعة إلى محظور متفق عليه كربا النقد.. فيدخل في إنكار المحتسب بحكم ولايته)
وقال النووي في الروضة: ( ثم إن العلماء إنما ينكرون ما أجمع على إنكاره، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد ولا نعلمه، ولم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين في الفروع ولا ينكر أحد على غيره وإنما ينكرون ما خالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا )
وبهذا يتبين لنا أن الخلاف على نوعين: إما أن يكون سائغا، وإما أن يكون غير سائغ، فالخلاف السائغ يمنع من الاحتساب على رأي بعض العلماء، وأما الخلاف غير السائغ، أو الشاذ، كمن يخالف ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم أو ما أجمعت عليه الأمة، أو ما عُلم من الدين بالضرورة، فهذا خلاف لا يُعتد به ولا يلتفت إليه لعدم قيامه على الدليل، ويُنكر على من أتى به.
فالإنكار إنما يكون فيما يكون فيه الحق واضحا، والأدلة بينة من الكتاب والسنة والإجماع، أما إذا خلت المسألة من ذلك، فإنه ليس للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الإنكار في المسائل المختلف فيها، كما أنه لا التفات إلى الخلاف الشاذوأن الواجب في الأمور الاجتهادية لزوم البيان والمناصحة، من قبل من تبين له وجه الحق في شئ من تلك المسائل.