صفة اليدين
و أن له يدين بلا كيف كما قال: "قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أأستكبرت أم كنت من" [سورة ص، الآية: 75].و كما قال: "وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه" [سورة المائدة، الآية: 64].
اللغة: (بلا كيف) بلا تصوُّر كيفية معينة للصفة.
الشرح: ورد إثبات صفة اليدين في عدة مواضع من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم أما الكتاب فقد ذكر المؤلف بعضا منها، وأما في السنة فقد عقد البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باب قول الله تعالى:" قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أأستكبرت أم كنت من" سورة ص آية: 75. ضمن كتاب التوحيد، أورد فيه جملة من الأحاديث الصحيحة كلها تثبت صفة اليدين لله تعالى، منها حديث أنس بن مالك مرفوعا في الشفاعة العظمى وفيه: يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا يُرِحْنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أما ترى الناس؟ خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء، اشفع لنا إلى ربك و حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكـون السمـاوات بيمينـه ثـم يقـول: أنـا الملك } وحديث أبي هريرة وفيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحَّاء الليل والنهار }
فالنصوص المتقدمة دالة على إثبات اليدين لله سبحانه وتعالى، و هي لا تحتمل التأويل بحال، ولا يمكن حمل اليدين إلا على الحقيقة، ومن لم يحملها على الحقيقة فهو معطِّل لتلك الصفة، ولقد صرح الإمام أبو حنيفة رحمه الله أن من لم يحمل النصوص على الحقيقة وتأوَّل صفة اليدين بالقدرة أو بالنعمة فقد أبطل الصفة.
فقد قال: (ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفة بلا كيف). [الفقه الأكبر ص (302)]. وقال ابن بطال في الرد على من أوَّل صفة اليدين بالقدرة أو النعمة: (ويكفي في الرد على من زعم أنهما بمعنى القدرة أنهم أجمعوا على أن له قدرة واحدة في قول المثبتة ولا قدرة له في قول النفاة.و يدل على أن اليدين ليستا بمعنى القدرة أن قوله تعالى لإبليس: "قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أأستكبرت أم كنت من". [سورة ص، الآية: 75] إشارة إلى المعنى الذي أوجب السجود، فلو كانت بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وإبليس فرق لتشاركهما فيما خلق كل منهما به وهي قدرته، ولقال إبليس: وأي فضيلة له عليَّ وأنا خلقتني بقدرتك، كما خلقته بقدرتك فلما قال: قال "أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" [سورة ص، الآية: 76] دل على اختصاص آدم بأن الله خلقه بيديه قال: ولا جائز أن يراد باليدين النعمتان لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق لأن النعم مخلوقة). [فتح الباري، 13 / 393- 394].
وهذا ما أجمع عليه السلف، قال الأشعري: (أجمعوا على أنه يسمع ويرى، وأن له تعالى يدين مبسوطتين، وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه). [رسالة الثغر، ص (72)].
وقرره الإسماعيلي في عقيدة أهل الحديث حيث قال [ص (51)]: (وخلق آدم عليه السلام بيده، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف يداه إذ لم ينطق كتاب الله تعالى فيه بكيف).و مع ذلك كله ترى الأشعرية يخالفون إمامهم ويفوضون هذه الصفة تفويض أهل الجهل والتجهيل أو يؤولون تأويل أهل التحريف والتعطيل.