موضوع: علم الفرائض الأربعاء مارس 26, 2014 10:00 pm
علم الفرائض حدّه ــ موضوعه - ثمرته - حكمه
حدّه : العلم بقسمة المواريث فقهاً وحساباً. موضوعه : التركات وهي ما يخلفه الميت من أموال وحقوق واختصاصات. ثمرته : إيصال كل وارث ما يستحقه من التركة، ومن ثم نعرف أهميته وحكمه. حكمه : فرض كفاية إذا قام به من يكفي صار في حق الباقين سنة.
الحقوق المتعلقة بالتركة يتعلق بالتركة خمسة حقوق مرتبة بحسب أهميتها كالآتي: 1 - مؤن تجهيز الميت:ثمن ماء تغسيله، وكفنه، وحنوطه، وأجرة الغاسل، وحافر القبر، ونحو ذلك؛ لأن هذه الأمور من حوائج الميت، فهي بمنزلة الطعام والشراب واللباس والسكن للمفلس. 2 - ثم الحقوق المتعلقة بعين التركة: كأرش جناية العبد المتعلق برقبته، والدَّين الذي فيه رهن، وإنما قدمت على ما بعدها لقوة تعلقها بالتركة حيث كانت متعلقة بعينها. وعند الأئمة الثلاثة - مالك وأبي حنيفة والشافعي -: تقدم هذه الحقوق على مؤن التجهيز؛ لأن تعلقها بعين المال سابق، وعلى هذا فيقوم بمؤن التجهيز من تلزمه نفقة الميت إن كان، وإلا ففي بيت المال، وهذا القول كما ترى له حظ من النظر، والله أعلم. 3 - ثم الديون المرسلة التي لا تتعلق بعين التركة، كالديون التي في ذمة الميت بلا رهن، سواء كانت لله كالزكاة والكفارة، أم للآدمي كالقرض والأجرة وثمن المبيع ونحوها، ويسوّى بين الديون بالحصص إن لم تف التركة بالجميع، سواء كان الدَّين لله أم للآدمي، وسواء كان سابقاً أم لاحقاً. وإنما قدّم الدَّين على الوصية لما روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: إنكم تقرؤون ) مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصىَ بِهَا أَوْ دَيْن)(النساء:الآية12) وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدَّين قبل الوصية) .
وهذا الحديث وإن كان في إسناده مقال إلا أنه يعضده المعنى والإجماع؛ أما المعنى فلأن الدَّين واجب على الميت والوصية تبرع منه، والواجب أولى بالتقديم من التبرع. وأما الإجماع فقد أجمع أهل العلم على تقديم الدَّين على الوصية. فإن قيل: فما الحكمة في تقديم الوصية على الدين في الآية الكريمة؟
فالجواب: إن الحكمة - والله أعلم - هو أن الدَّين واجب والوصية تبرع؛ والتبرع ربما يتساهل به الورثة ويستثقلون القيام به فيتهاونون بأدائه بخلاف الواجب، وأيضاً؛ فالدَّين له من يطالب به، فإذا قُدِّر أن الورثة تهاونوا به فصاحبه لن يترك المطالبة به، فجبرت الوصية بتقديم ذكرها، والله أعلم. 4 - ثم الوصية بالثلث فأقل لغير وارث. فأما الوصية للوارث فحرام غير صحيحة، قليلة كانت أو كثيرة؛ لأنّ الله قسّم الفرائض ثم قال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (النساء:13) )وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء:14) والوصية للوارث مِنْ تعدِّي حدود الله؛ لأنها تقتضي زيادة بعض الورثة عما حدَّ الله له وأعطاه إياه، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث . رواه الخمسة إلا النسائي، وقد أجمع العلماء على العمل بمقتضى هذا الحديث.
لكن إن أجاز الورثة المرشدون الوصية لأحد من الورثة، نفذت الوصية؛ لأن الحق لهم، فإذا رضوا بإسقاطه سقط، ولحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة. رواه الدارقطني.
وأما الوصية لغير الوارث فإنها تجوز وتصح بالثلث فأقل، ولا تصح بما زاد عليه؛ لأن الثلث كثير، فيدخل ما زاد عليه بالمضارة، ولحديث ابن عباس أنه قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع! فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الثلث والثلث كثيرمتفق عليه.
فإن أجاز الورثة المرشدون الوصية بما زاد على الثلث صح ذلك؛ لأن الحق لهم فإذا رضوا بإسقاطه سقط. وقد اختلف العلماء رحمهم الله: متى تعتبر إجازة الورثة الوصية للوارث أو بما زاد على الثلث؟ فالمشهور من مذهب الإمام أحمد عند أصحابه: أنها لا تعتبر إلا بعد الموت، فلو أجازوا قبله لم تصح الإجازة ولهم الرجوع.
والراجح أن الإجازة إن كانت في مرض موت المورث صح وليس لهم الرجوع، وإن كانت في غير مرض موته لم تصح ولهم الرجوع، وهذا مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ذكره في "بدائع الفوائد" صفحة (4) من الجزء الأول). 5 - ثم الإرث لأن الله سبحانه قال بعد قسمة المواريث: ) مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَار)(النساء:الآية12) ويبدأ بذوي الفروض وما بقي فللعصبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر متفق عليه، فإن لم يكن عصبة ردّ على ذوي الفروض بقدر فروضهم، إلا الزوجين. فإن لم يكن عصبة، ولا ذوو فرض يرد عليهم، فلذوي الأرحام؛ لقوله تعالى وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) (الأنفال:الآية75)، فإن لم يكن ورثة فلبيت المال.
(تنبيه) : إذا قيل: ما معنى تقديم الوصية على الإرث، مع أنها لا ينفذ منها - إذا لم تجز الورثة - إلا الثلث، والباقي للورثة؟ فالجواب: أن معناه أن الموصَى به يُخْرَجُ من التركة قبل المواريث كاملاً، ثم يقسم الباقي على الورثة كتركة مستقلة فيدخل النقص عليهم دون الوصية، ويتبين ذلك بالمثال:
فإذا هلكت امرأة عن زوجها وأختها الشقيقة وقد أوصت بالثلث؛ فالمسألة من ثلاثة: للوصية الثلث واحد، ويبقى اثنان هي التركة الموروثة؛ للزوج نصفها وهو واحد، وللأخت نصفها وهو واحد. فأنت تعرف في هذا المثال أن للوصية الثلث، وللزوج النصف، وللأخت النصف، ولم يحصل لكل من الزوج والأخت حقيقة إلا الثلث.
أما الوصية فَأُعْطِي الموصَى له الثلث كاملاً، وصار النقص على الورثة. ولو قلنا بعدم تقديم الوصية لجعلنا الثلث الموصَى به كثلث مفروض؛ فتكون المسألة من ستة، وتعول إلى ثمانية؛ للوصية الثلث اثنان، وللزوج النصف ثلاثة، وللأخت النصف ثلاثة، وتعول إلى ثمانية فيدخل النقص على الجميع. وخلاصة ما سبق أن الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة مرتبة كالآتي: الأول: مؤن التجهيز. الثاني: الحقوق المتعلقة بعين التركة، ومذهب الأئمة الثلاثة أن هذا مقدّم على مؤن التجهيز. الثالث: الديون المرسلة. الرابع: الوصية لغير وارث بالثلث فأقل. الخامس: الإرث.