َسُئِلَ ـ رحمَهُ الله ـ عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا}
المفتي شيخ الإسلام ابن تيمية
و َسُئِلَ رحمَهُ الله عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا} [التحريم: 8] هل هذا اسم رجل كان علي عهد النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وإيش معنى قوله: {نَّصُوحًا}؟ فأجاب:
الحمد لله، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم : التوبة النصوح: أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه، و(نصوح) هي صفة للتوبة، وهي مشتقة من النصح والنصيحة. وأصل ذلك هو الخُلُوص. يقال: فلان ينصح لفلان، إذا كان يريد له الخير إرادة خالصة لا غش فيها، وفلان يغشه، إذا كان باطنه يريد السوء، وهو يظهر إرادة الخير كالدرهم المغشوش، ومنه قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91] أي: أخلصوا لله ورسوله قَصْدَهم وحبَّهم.ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "الدين النصيحة، ثلاثا قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال:لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم". فإن أصل الدين هو حُسْن النية، وإخلاص القصد؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم "ثلاث لايغِلُّ عليهن قلبُ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم، تحيط من ورائهم" أي: هذه الخصال الثلاث لا يحقد عليها قلب مسلم بل يحبها ويرضاها. فالتوبة النصوح: هي الخالصة من كل غش، وإذا كانت كذلك كائنة فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب، فهذه التوبة النصوح، وهي واجبة بما أمر الله تعالى، ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب، قَبِلَ الله توبته الأولي، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب، تاب الله عليه أيضًا.و لا يجوز للمسلم إذا تاب، ثم عاد أن يصِرَّ، بل يتوب، ولو عاد في اليوم مائة مرة، فقد روي الإمام أحمد في مسنده، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله يحب العبد المفتَّن التواب"، وفي حديث آخر "لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار"، وفي حديث آخر "ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة".
ومن قال من الجهال: إن [نصوح] اسم رجل كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أُمِر الناس أن يتوبوا كتوبته، فهذا رجل مفتر كذاب، جاهل بالحديث والتفسير، جاهل باللغة ومعاني القرآن، فإن هذا امرؤ لم يخلقه الله تعالى، ولا كان في المتقدمين أحد اسمه نصوح، ولا ذكر هذه القصة أحد من أهل العلم، ولو كان كما زعم الجاهل، لقيل: توبوا إلى الله تَوْبةَ نصوح، وإنما قال: {تَوْبَةً نَّصُوحًا} والنصوح: هو التائب. ومن قال: إن المراد بهذه الآية رجل، أو امرأة اسمه نصوح، وإن كان علي عهد عيسي أو غيره، فإنه كاذب، يجب أن يتوب من هذه، فإن لم يتب وجبت عقوبته بإجماع المسلمين.