أي : الجميع ملك له, لا معقب لحكمه, إن غفر فبالفضل, وإن عذب فبالعدل, و الله سبحانه غفور رحيم , سبقت رحمته غضبه وبعد أن حذر المولى عباده المؤمنين من أخطر قضيتين يمكن أن تتساهل فيهما، وهما طاعة أهل الكتاب واتخاذ بطانة من غير المؤمنين بعد ذلك ينهى عباده المؤمنين عن أكل الربا فيقول :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الآية 130] وهذا نهى عن الربا؛ حيث إن من طبيعته مضاعفة الدين أن يؤدي إلى امتصاص دماء الناس, وأكل أموالهم بغير حق، ثم أمر المولى عباده بالتقوى، وذلك بترك الربا لعلكم تفحلون في الدنيا والآخرة، ثم توعدهم بالنار وحذرهم منها, عند المخالفة لأوامره, وارتكاب نواهيه فقال عز من قائل :
يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله هذه أخوف آية في القرآن؛ حيث توعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين، إن لم يتقوه في اجتناب محارمه اللهم نجنا من غضبك ومن عذابك يا رب العالمين ولكن من كرمه تعالى أيها الأحباب في الله، أنه أطمع المؤمنين في نوال رحمته وذلك بدعوته لهم أن يسلكوا طريق طاعته سبحانه, وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ يقول :
أي : وأطيعوا الله فيما يأمركم به وينهاكم عنه، من أكل الربا, وغيره وأطيعوا الرسول كذلك؛ فإن طاعته من طاعة الله تعالى فقال سبحانه :
{ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [الآية 133] أي : وسارعوا أيها المؤمنون إلى الأعمال الصالحة, التي تؤدي بكم إلى نوال مغفرة من ربكم لذنوبكم وكذلك إلى دخول جنة واسعة عرضها كعرض السماوات والأرض, أما طولها فلا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، أعدت وزينت للمتقين اللهَ تعالى بعمل الطاعات, وترك المعاصي, كما أعدت النار للكافرين، ثم وصف الله المتقين, أهل الجنة بقوله عز وجل :
الصفة الأولى : إنفاق الأموال والجهد في طاعة الله في جميع الأحوال الصفة الثانية : كظم الغيظ وإمتلاك أنفسهم عنده, وعدم التصرف عند الغضب بما يؤدي إليه, ولا يعلمون أحدا به، إحتسابا لله تعالى. الصفة الثالثة : العفو عن الناس, فلا يؤاخذون أحدا بذنب جناه عليهم, بل يعفون ويسامحون الصفة الرابعة : الإحسان إلى المسئ, وهي متاجرة مع الله تعالى, حيث إنه يحب صاحب هذه الصفة, وكفى بذلك مكسبا، الصفة الخامسة من صفات هؤلاء المتقين فقال :
{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [الآية 135] نعم ذكر الله عند الذنب, والخوف من عقابه؛ بما يبعث على التوبة, والإقلاع عن المعصية, والندم على إقترافها هو الصفة الخامسة وسواء كان ذكر الله تعالى باللسان والقلب, أو بالقلب فقط فإن المهم منه ما يقود العبد إلى طلب المغفرة من الله تعالى, على ما صدر من ارتكاب فاحشة كبيرة, أو ظلم للنفس بالوقوع في معصية دون ذلك المهم، أن لا يكون هناك إصرار واستمرار على ارتكاب الفاحشة, أو الوقوع في المعصية, أو استهانة بعقابها وأن يكون لديهم العلم بأنه لا يغفر الذنب إلا الله سبحانه وتعالى ومن هنا فتوبتهم إليه متجددة ودائمة, وعن قناعة بأنه الغفور الرحيم
أيها الكرام إذا كانت هذه هي صفات المتقين فنحب أن نعرف سويا جزاءهم يقول تعالى :
هؤلاء الذين وصفوا وتحققوا بهذه الصفات جزاؤهم عند ربهم أولا : مغفرة لذنوبهم, وعفو كريم من الله تعالى عنهم ثانيا : جنات تجري من تحتها الأنهار, يدخلونها, يقيمون فيها, لا يخرجون منها ولا يموتون أبدا وتختم الآية بهذا الترغيب في عمل الطاعات، إذ يقول ربنا تبارك وتعالى ونعم أجر العاملين بالطاعات هذا الأجر.
أي : هل هناك من يطلب في يوم الجزاء أفضل من هذا ؟، فكونوا إذا من المتقين الموصوفين بهذه الصفات الجميلة.
أيها الأحباب في الله لاحظوا أن الآيات الكريمة كانت تحدثنا عن غزوة أحد, وغزوة بدر، ثم انعطف الحديث من باب التعليم لنا في ثنايا الحديث عن الجهاد, إلى موضوعات أخرى – مثل النهي عن أكل الربا, والتخويف من النار, والترغيب في الجنة والتحلي بصفات أهلها – ثم يعود الكلام إلي موضوع الجهاد مرة أخرى حيث يقول تعالي :
{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ } [الآية 137] أي : مضت سنة الله في المخالفين لشرع الله, ودعوات أنبيائهم بالإهلاك, وسنن الله لا تتغير ولا تتبدل, فسيروا في الأرض, واعرفوا أحوال أممها, وانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ولعل هذه المعرفة تفيدكم في طاعتكم لله تعالي وتعينكم على متابعة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، كما تفيدكم في عدم الحزن حينما يتغلب الكفار أحيانا , وتعلو رايتهم واعلموا أنى أمهلهم لوقت إهلاكهم الذي سبق في علمي ، ولا أهملهم بدون عقاب، ثم يقول ربنا عز وجل :
هذا القرآن بيان وتوضيح بما يحتاجه الناس كلهم, لصلاح دينهم, ودنياهم, وآخرتهم وهدي لمن اتبع ما فيه؛ حتى لا يقع في الضلال والغواية وموعظة – في ذات الوقت – ينتفع بها المتقون منهم، وبعد هذا البيان العام يقبل ربنا على أوليائه المتقين المجاهدين بالموعظة والدروس، من خلال تجربة عملية هي ماجرى يوم أحد حيث يقول تعالى لهم :
أي : ولا تضعفوا عن الجهاد, بسبب ما أصابكم , أو يصيبكم ولا تحزنوا على ما أصابكم في سبيل الله، وأعلموا – جيدا – أنكم أنتم الأعلون؛ إن صح إيمانكم, وقويت عزيمتكم وهذه بشارة للمؤمنين بالعلو, والغلبة والنصر, في النهاية كما تفيد الآية أن صحة الإيمان وقوته تؤدي إلى قوة القلب, والثقة بوعد الله, وقلة المبالاة بالأعداء وكثرتهم وعدتهم ثم يقول لأوليائه