موضوع: فصل فيما يكره فيها الثلاثاء يونيو 04, 2013 8:53 pm
فصل فيما يكره فيها
أي فيما يكره في الصلاة ويستحب ويباح وما يتعلق بذلك. قال تعالى: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُون لما أخبر تعالى أنه قد أفلح المؤمنون أثنى عليهم بهذه الصفات الجليلة التي أهمها كونهم في صلاتهم خاشعين خاضعين متذللين متضرعين. والخشوع الإخبات والتطامن والذل وهو قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن، والخشوع في القلب والبصر والصوت، وأصل ذلك وأساسه حضور القلب بين يدي الرب والثواب مشروط بحضوره وحضوره فراغه عن غير ما هو ملابس له، وهو هنا العلم بالفعل والقول الصادرين عن المصلى، وقال ابن القيم: الخشوع قيام العبـد بين يـدي الرب بالخضوع والذل والجمعية عليه و في الأثر إذا صلى تخشع وتضرع وتمسكن وإلا فهي خداج، وفيه أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع، ومن فاته الخشوع لم يكن من أهل الفلاح.
(وعن عائشة قالت سألت رسول الله –صلى الله عليه و سلم- عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس) أي اختطاف بسرعة على غفلة (يختلسه الشيطان من صلاة العبد رواه البخاري) سماه اختلاسًا تصويرًا لقبح تلك الغفلة بالمختلس لأن المصلي يقبل على ربه ويترصد الشيطان فوات ذلك عليه فإذا التفت اغتنم الفرصة فسلبه تلك الحال وللترمذي وغيره وصححه عن أنس مرفوعًا "إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة".
ولأحمد وغيره من حديث أبي ذر "لا يزال الله مقبلاً على العبد ما لم يلتفت" أي ما لم يزل مقبلاً على صلاته بقلبه ووجهه فجمع أنواع الخضوع والخشوع لأن الخضوع في الأعضاء والخشوع في القلب فإذا صرف وجهه انصرف عنه والحكمة في التحذير منه لما فيه من نقص الخشوع والإعراض عن الله، ودلت هذه الأحاديث على كراهة الالتفات في الصلاة لغير حاجة وهو إجماع. وقال ابن عبد البر جمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيرًا ولا يكره لحاجة لفعله عليه الصلاة والسلام لما بعث طليعة إلى الشعب ولم يكن من فعله الراتب وقال ابن شهاب، فلما نزلت قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُون جعل نظره إلى الأرض، وإن استدار بجملته أو استدبر القبلة في غير شدة خوف بطلت لتركه الاستقبال بلا عذر قال في الإنصاف بلا نزاع.
(ولمسلم عن جابر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم - لينتهين) أي ليتركن (أقوام) جمع قوم الجماعة من الرجال (يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة) أي إلى ما فوقهم مطلقًا (أولا ترجع إليهم) أي أو لتسلبن بسرعة وله عن أبي هريرة نحوه وللبخاري من حديث أنس "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهين أو لتخطفن أبصارهم" وفي هذه الأحاديث الوعيد الشديد في ذلك والنهي الأكيد المفيد تحريمه، وقال ابن حزم تبطل به الصلاة، واتفقوا على كراهته.
ويكره تغميض عينيه لأنه فعل اليهود ومظنة النعاس لا إن احتاج إليه. قال ابن القيم ولم يكن من هديه – صلى الله عليه و سلم - تغميض عينيه والصواب أن يقال إن كان تفتيحها لا يخل بالخشوع فهو أفضل وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه فهناك لا يكره التغميض قطعًا. والقول باستحبابه في هذه الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة.
(وفي السنن نهى عن الإقعاء) وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه. وعند العرب الإقعاء جلوس الرجل على إليتيه ناصبًا قدميه مثل إقعاء الكلب. ولفظ ابن ماجه وغيره من حديث أنس "إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب" وعن علي مرفوعًا "لا تقع بين السجدتين " وللبيهقي وغيره "نهى عن الإقعاء في الصلاة" ولأحمد "واقعاء كاقعاء الكلب" فيكره اتفاقًا لهذه الأخبار وغيرها ولأنه يتضمن ترك الاقتراش المسنون بالقول والفعل، ولا تبطل به الصلاة.
وأما ما رواه مسلم وغيره عن ابن عباس الاقعاء على القدمين هو السنة فقال البيهقي وغيره هو أن يضع أطراف أصابع رجليه على الأرض ويضع إليتيه على عقبيه ويضع ركبتيه على الأرض يعني بين السجدتين وهذا غير ما تقدم مما نهي عنه وقال الموفق وغيره لا أعلم أحدًا قال باستحبابه على تلك الصفة وتقدم النهي عن افتراشه ذراعيه ساجدًا.
وفي الصحيحين عن أنس "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" وذلك بأن يمدهما على الأرض ملصقًا لهما بها، ويكره أن يعتمد على يده أو غيرها وهو جالس لما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث ابن عمر "نهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده" وكذا يكره أن يستند إلى جدار ونحوه من غير حاجة اتفاقًا.
(وفي الصحيحين) من حديث أبي هريرة (نهي) يعني رسول الله – صلى الله عليه و سلم - (أن يصلي الرجل مختصرًا) أي أن يضع الرجل يده في الصلاة على خاصرته والخاصرة ما بين الحرقفة والقصيري أو ما فوق الطفطفة والشراسيف جمعها خواصر والخصر الوسط وهو المستدق فوق الوركين والجمع خصور، والخصر والخاصرة مترادفان. قال هشام يضع يده على خصره وهو يصلي وعلل أنه فعل الكفار أو المتكبرين. وصح أنه راحة أهل النار فلا يليق في الصلاة ولأنه فعل اليهود، وقيل أنه فعل الشيطان، فنهي عنه كراهة للتشبه باليهود أو الشيطان، ومذهب أهل الظاهر أنه محرم والجمهور أنه مكروه.
(ولأحمد النهي عن التشبيك) يعني تشبيك الأصابع وهو إدخال بعضها في بعض في الصلاة ولفظه عن أبي سعيد أن النبي – صلى الله عليه و سلم - قال: "إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان" لما فيه من العبث أو لما فيه من التشبه بالشيطان "وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه" قال في مجمع الزوائد إسناده حسن، وعن كعب بن عجرة مرفوعًا "إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدًا إلى الصلاة فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهما.
واتفق الفقهاء على كراهته فيها، وما في قصة ذي اليدين وشبك بين أصابعه، وحديث أبي موسى "المؤمن للمؤمن كالبنيان وشبك بين أصابعه" فقيل في السهو لاشتباه الحال عليه.
وفي حديث أبي موسي لقصد التشبيه وما تقدم محمول علي التشبيك للعبث وهو منهي عنه في الصلاة . وللترمذي وغيره "أنه رأى رجلاً يعبث في صلاته بلحيته فقال لو خشع قلب هذا لخشعت "ولابن ماجه" رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج بين أصابعه " لما في ذلك من إذهاب الخشوع .
(ولابن ماجه والقعقعة) أي فرقعة الأصابع في الصلاة وغمز مفاصلها حتى تصوت . ولفظه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا تقعقع أصابعك في الصلاة " وهو فعل معروف في أصابع اليدين وقد يفعل في أصابع الرجلين لأنه من العبث المنهي عنه وهو مكروه اتفاقا ً وقيل حكمه النهي عنه أنه يجلب النوم . وكذا يكره فتح فمه ووضعه فيه شيئاًِ وتمطيه ونحو ذلك مما يذهب الخشوع ." وإذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع "وإن غلبه غطى فمه لقوله "وليمسك بيده على فيه " رواه مسلم .
(وعن أبي ذر مرفوعاً إذا قام أحدكم في الصلاة) أي دخل فيها (فلا يمسح الحصى) وفي لفظ التراب أي من محل السجود أو من جبهته "فإن الرحمة تواجهه" رواه الخمسة وحسنه الترمذي وفي الصحيحين من حديث معيقيب قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد " إن كنت فاعلاً فواحدة".
ولأحمد عن أبي ذر سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن كل شيء حتى سألته عن مسح الحصى فقال " واحدة أودع أو أترك المسح " ولابن ماجه " من الجفا أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته" وللبزار نحوه .وهذه الأحاديث دلت على كراهة مسح الحصى في الصلاة وهو مذهب جمهور العلماء
وحكاه النووي اتفاقاً . وروى عن مالك وغيره جوازه ورخص فيه ابن عمر وغيره مرة واحدة وفي الحديثين الإذن فيها عند الحاجة لئلا يصيبه ما يؤذيه أو يشغل باله من تراب أو حصى أو قذى أو غير ذلك . أو الحكمة أن لا يفوته حظه من الرحمة فلا يغير ما يسجد عليه . ولا علي ما يعلق بجبهته ولأنه ينافي الخشوع والتواضع ويشغل المصلي . والأولى أن يسوي موضع سجوده قبل الدخول في الصلاة والتقييد بالحصى أو التراب للغالب ولا يدل علي نفيه عما عداه . (وعن عائشة في قصة خميصة) وهي كساء مربع (لها أعلام) خطوط واحدها علم أهداها له أبو جهم ولفظه عنها أن النبي – صلى الله عليه و سلم - "صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف (قال اذهبوا بها) ولفظه بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بانبجانية أبي جهم" وهي كساء غليظ لا علم فيه (فإنها) أي الخميصة ذات الأعلام (ألهتني) آنفًا (عن صلاتي" متفق عليه) وفي رواية "كنت أنظر إلى علمها وأنا في الـصلاة فأخاف أن يفتنني" قال ابن بطال إنما طلب منه ثوبًا غيرها ليعلمه أنه لم يرد عليه هديته استخفافًا به.
وعن أنس قال كان قرام وهو ستر من صوف ذو ألوان لعائشة سترت به جانب بيتها فقال لها النبي – صلى الله عليه و سلم - "أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي" رواه البخاري ففيهما دلالة على كراهة ما يشغل عن الصلاة من النقوش ونحوها مما يذهل القلب ويذهب الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها وهذا إجماع وفيه مبادرته - صلى الله عليه و سلم - إلى صيانة الصلاة عما يلهي المصلي وإزالة ما يشغله عن الإقبال عليها. وقال الطيبي فيه إيذان بأن للصور والأشياء الظاهرة تأثيرًا في القلوب الطاهرة والنفوس الزكية فضلاً عما دونهما وفيه كراهة الصلاة على المفارش والسجاجيد المنقوشة وكراهة تزويق المساجد ونقشها واستقبال كل ما يشغل المصلي.
وقال أحمد كانوا يكرهون أن يجعلوا في القبلة شيئًا حتى المصحف اهـ. واتفق أهل العلم على كراهة استقبال ما يلهي المصلي من صورة أو نار أو وجه آدمي ونحو ذلك. قال شيخ الإسلام المذهب الذي نص عليه الأصحاب وغيرهم كراهة دخول الكنيسة المصورة، فالصلاة فيها وفي كل مكان فيه تصاوير أشد كراهة وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه ولا شك.و تقدم ذكر عدم الجواز ولأن محل الصور مظنة الشرك فإن غالب شرك الأمم كان من جهة الصور والقبور، وكذا استقبال نـار من سراج أو قنديل أو شمعة أو نار حطب لأنه يذهب الخشوع ولما فيه من التشبه بالمجوس في عبادتهم النيران. والصلاة إليها تشبه الصلاة لها.
وحكى القاضي وغيره اتفاقهم على كراهة الصلاة إلى وجه آدمي. وعزر عمر من صلى إلى وجه أدمي. وفي الصحيحين عن عائشة كان "يصلي حذاء وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة. وتكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فاستقبله فانسل انسلالاً" ولأبي داود "نهى عن الصلاة إلى المتحدث" فكل ما يشغله عن حضوره فمكروه لخبر عائشة وغيره.
(ولمسلم عنها مرفوعًا) يعني إلى رسول الله – صلى الله عليه و سلم - أنه قال (لا صلاة بحضرة طعام) أي تتوق نفسه إليه وكذا إذا كان تائقًا إلى شراب أو جماع فيبدأ بما تاق إليه ولو فاتته الجماعة لا الوقت. وفي الصحيحين من حديث أنس "إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب" وورد بإطلاق لفظ الصلاة والحديث دال على الوجوب والجمهور حملوه على الندب واتفقوا على كراهة ابتدائها وهو تائق إلى طعام ونحوه.
(ولا وهو يدافعه الأخبثان) أي ولا صلاة والمصلي يدافعه البول أو الغائط. ويلحق بهما مدافعة الريح لأن ذلك مما يقلقه ويشغله عن حضور قلبه في الصلاة وكذا حر وبرد شديد وجوع وعطش مفرط بغير خلاف ونحو ذلك ما يزعجه ويشغل باله. قال شيخ الإسلام وإذا كان على وضوء وهو حاقن يحدث ثم يتيمم إذ الصلاة بالتيمم وهو غير حاقن أفضل من صلاته بالوضوء وهو حاقن، وقال صلاته بالاحتقان مكروهة، وفي صحتها روايتان. وصلاة المتيمم صحيحة لا كراهة فيها بالاتفاق. اهـ
فيبدأ بالخلاء ونحوه ليزيل ما يدافعه ولو فاتته الجماعة. وللحاكم والبيهقي وغيرهما لا يصلي أحدكم وهو حاقن حتى يتخفف، وألحق بذلك ما في معناه مما يمنع الخشوع الذي هو لب الصلاة، وفي الصحيح عن أبي الدرداء من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ وإن ضاق الوقت عن فعل جميع الصلاة في الوقت وجبت في جميع الأحوال وحرم اشتغاله بغيرها لتعين الوقت لها.
(وعن أبي هريرة أن رسول – صلى الله عليه و سلم - "أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب) والحية تكون للذكر والأنثى والعقرب واحدة العقارب وتسميتها بالأسودين من باب التغليب كالقمرين والعمرين ولا يسمى بالأسود في الأصل إلا الحية (رواه الخمسة وصححه الترمذي) وابن حبان والحكم وله شواهد. فدل على جواز قتل الحية والعقرب في الصلاة من غير كراهة وهو مذهب جمهور العلماء. وقال الخطابي رخص أهل العلم في قتل الأسودين في الصلاة إلا النخعي والسنة أولى ما اتبع.
وقال أحمد يجوز أن يذهب إلى النعل فيأخذه ويقتل به الحية والعقرب ثم يعود إلى مكانه. وفي الصحيحين "كان يصلي وهو حامل أمامة فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها" وصلى على المنبر وتكرر صعوده ونزوله. وأمر برد المار وفتح الباب لعائشة فكذا سائر ما يحتاج إليه المصلي من الأفعال وله دفع عدو من سيل وسبع وسقوط جدار ونحوه وكل صائل عليه من حيوان وغيره فإن طال الفعل من غير ضرورة كحالة خوف وهرب من عدو وحكة لا يصبر عنها بطلت إجماعًا ولو سهوًا. إذا كان من غير جنس الصلاة لأنه يقطع الموالاة ويمنع متابعة الأركان ويذهب الخشوع فيها ويغلب على الظن أنه ليس فيها. وكل ذلك مناف لها أشبه ما لو قطعها.
(وعن حذيفة قال صليت مع رسول الله – صلى الله عليه و سلم - ذات ليلة) فافتتح البقرة وآل عمران (فإذا مر) أي في قراءته (بآية تسبيح) أي فيها تسبيح لله تعالى (سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ رواه مسلم) ولأبي داود عن عوف نحوه ولفظ حديث عائشة عند أحمد "فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله –عز وجل- واستعاذ ولا آية فيها استبشار إلا دعا الله عز وجل ورغب إليه" وله من حديث أبي ليلى "فمر بذكر الجنة والنار فقال أعوذ بالله من النار. ويل لأهل النار" وأما المأموم فمأمور بالإنصات والاستماع قال النووي وغيره فتستحب هذه الأمور لكل قارئ في صلاة وغيرها وهو مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف.
قال أحمد إذا قرأ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى في الصلاة وغيرها قال سبحانك فبلى في فرض ونفل ورواه أبو داود مرفوعًا إلى النبي – صلى الله عليه و سلم - قال شيخ الإسلام ويقول في الصلاة كل ذكر ودعاء وجد سببه في الصلاة. قال ويحمد الله إذا عطس في نفسه. وله الفتح على إمامه للأمر به ورد السلام إشارة لأنه – صلى الله عليه و سلم - كان يفعله.
(وعن سهل) بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري من مشاهير الصحابة مات بالمدينة سنة إحدى وتسعين وله مائة سنة –رضي الله عنه- (مرفوعًا إذا نابكم شيء) أي نزل بكم أمر من الأمور (في صلاتكم) كأن يريد أحدكم تنبيه الإمام على أمر سها عنه أو تنبيه المار أو من يريد منه أمرًا وهو لا يدري أنه يصلي فينبهه على أنه يصلي قال: (فلتسبح الرجال) وفي رواية من نابه شيء من صلاته فليسبح أي يقول الرجل سبحان الله وهو في البخاري بهذا اللفظ (ولتصفق النساء) يعني بظهر كفها على بطن الأخرى، وفي لفظ "وإنما التصفيق للنساء" فهو إذن وإباحة لهن في التصفيق في الصلاة عند نائبة تنوب (متفق عليه) ولهما عن أبي هريرة "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" زاد مسلم "في الصلاة" وهو المراد من السياق وذهب إلى هذا جمهور العلماء. وما روي عن مالك أن المشروع.
في حق الجميع التسبيح. وعن أبي حنيفة من فساد صلاتها إذا صفقت لا يلتفت إليه مع ثبات النص عن الشارع صلى الله عليه و سلم وثبت عنهم وجوب الأخذ بالنص وأنه مذهبهم وقال النووي وغير واحد هو السنة . وقال الحق انقسام التنبيه في الصلاة إلى ما هو واجب ومندوب ومباح بحسب ما يقتضيه الحال
(ولهما عن أنس مرفوعاً) يعني إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال (إذا كان أحدكم في الصلاة)وفي لفظ " إذا قام أحدكم في صلاته " فريضة كانت الصلاة أو نافلة (فإنه يناجي ربه) وفي رواية للبخاري " فإن ربه بينه وبين القبلة " وهذا قرب خاص من عبده حال مناجاته كقوله " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" وهو سبحانه علي في دنوه . قريب في علوه .واسع عليم بكل شيء. وبكل شيء محيط "ما السموات السبع والارضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم".
(فلا يبصقن بين يديه) البصاق من الفم ويقال بالسين والزاي وكلها من باب نصر وأفصحهن بالصاد. وفي لفظ "قبل قبلته" وفي لفظ "قبل وجهه" قال الحافظ وغيره هذا التعليل يدل على أن البصاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أولا ولا سيما المصلي (ولا عن يمينه) وفي الصحيح "فإن عن يمينة ملكًا" ولابن أبي شيبة "فإن عن يمينه كاتب الحسنات" وظاهر حديث أبي هريرة وأبي سعيد كراهة ذلك داخل الصلاةوخارجها وهو مقيد بالصلاة في هذا الحديث الصحيح وغيره.
وقال مالك وغيره لا بأس به خارج الصلاة وكذا قيده جمهور الفقهاء بالصلاة. وأرشد – صلى الله عليه و سلم - إلى أي جهة يبصق فقال: (ولكن عن شماله تحت قدمه) وفي لفظ "عن يساره أو تحت قدمه ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ورد بعضه على بعض فقال أو يفعل هكذا" وبصقه في ثوبه ونحوه لا نزاع فيه. ولو كان في المسجد وأولى من كونه عن يساره لئلا يؤذي به. ولهما من حديث أبي هريرة "أو تحت قدمه اليسرى" وفي رواية "فيدفنها" وخص المسجد بما يأتي.
(ولهما عنه) رضي الله عنه (مرفوعًا) أي إلى النبي – صلى الله عليه و سلم - أنه قال (البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها) وهو ظاهر في عدم جواز البصاق في المسجد عن اليسار وغيرها قال النووي إذا بصق في المسجد فقد ارتكب الحرام وعليه أن يدفنه. ومن رآه يبصق فيه لزمه الإنكار عليه ويدفنه إن قدر ولما رأى عليه الصلاة والسلام بصاقًا في جدار المسجد وهو يخطب نزل فحكه ودعا بزعفران ولطخه به. وتظاهرت الأخبار بتنظيف المساجد وإزالة القذى عنها. (وفي السنن أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم - قال إذا صلى أحدكم) يعني إمامًا كان أو منفردًا حضرًا أو سفرًا فرضًا كانت الصلاة أو نفلاً ولو لم يخش مارًا (فليصل إلى سترة) ولمسـلم عن عائشة سئل عنها فقال "كمؤخرة الرحل" ولهما من حديث ابن عمر "يأمر بالحربة فتوضع بين يديه" ولمسلم من حديث طلحة قال: "إذا وضع أحدكم مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من يمر وراء ذلك" وللحاكم من حديث سبرة "استتروا في صلاتكم ولو بسهم" (وليدن منها) فرواه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي سعيد وأبو داود والنسائي من حديث سهل ولفظه "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته"
وثبت أنه كان إذا صلى إلى جدار جعل بينه وبينه كممر شاة. وهذا الحديث وغيره دليل على سنية اتخاذ السترة والدنو منها. وحكاه أبو حامد إجماعًا، وقال الموفق وغيره لا نعلم فيه خلافًا، وقال البغوي استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر من إمكان السجود وكذلك بين الصفوف والحكمة منع من يجتاز بقربه وأنه لا يقطع الشيطان عليه صلاته. وكف البصر عما وراءها. وشغل القلب عما هو مطلوب من الحضور والخضوع والمراقبة. وليس اتخاذ السترة بواجب لحديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام "صلى في قضاء ليس بين يديه شيء" رواه أحمد وأبو داود وله شواهد.
(ولأبي داود عن أبي هريرة مرفوعًا) يعني إلى النبي – صلى الله عليه و سلم - أنه قال: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا) من أي شـيء كان جدارًا أو حربة أو غير ذلك يستره من المار بين يديه (فإن لم يجد فلينصب عصا) أي يرفعها وفيه عدم الفرق بين الدقيقة والغليظة كما في قوله ولو بسهم. ويستحب انحرافه عن الشيء الشاخص لفعله – صلى الله عليه و سلم - رواه أحمد وغيره وسدًا لذريعة التشبه بالسجود لغير الله (فإن لم يكن) معه عصا ولفظ أحمد وابن ماجه "فإن لم يجد عصا (فليخط خطًا) قال أحمد وغيره كالهلال وكيفما خط أجزأه (ثم لا يضره من مر بين يديه) أي لا ينقص من صلاته لفظ أحمد ولفظ أبي داود "ثم لا يضره من مر أمامه" (صححه أحمد) وابن المديني وابن حبان وقال الحافظ لم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حسن. وأشار الشافعي إلى ضعفه. وقال البيهقي لا بأس به في مثل هذا. وقال النووي وإن لم يثبت ففيه تحصيل حريم للمصلي. وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. وهذا منها و قوله ثم لا يضره من مر بين يديه يدل على أنه يضره إذا لم يفعل إما بنقصان صلاته أو بطلانها وهذا إذا كان إمامًا أو منفردًا. أما المأموم فسترة الإمام سترة له لأنه – صلى الله عليه و سلم - كان يصلي إلى سترة دون أصحابه واتفقوا على أنهم مصلون إلى سترة فلا يضرهم مرور شيء بين أيديهم. وفي الصحيحين عن ابن عباس "أقبلت على حمار أتان ورسول الله – صلى الله عليه و سلم - يصلي بالناس فمررت بين يدي بعض الصف فلم ينكر ذلك على أحد" قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أن المأمون لا يضره من مر بين يديه.
(وعن أبي ذر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم - يقطع صلاة المرء المسلم) أي يبطلها أو ينقص ثوابها (إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل" الخشبة التي يستند إليها الراكب والمراد رحل البعير والرحل أصغر من القتب وفي لفظ آخرة وهو أفصح والمراد المثل وإلا فيجزئ السهم كما مر وفاعل يقطع (المرأة والحمار والكلب الأسود) أي يقطع الصلاة مرور أحدها بين يدي المصلي إن لم يكن سترة أو مرورها بينه وبين سترته "قلت ما بال الأسود فقال الأسود شيطان" أي في الكلاب فإن الشيطان كل شيء ما رده (رواه مسلم) والخمسة وغيرهم وفي لفظ "ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل" واختلف أهل العلم في العمل بهذا الحديث لقوله "لا يقطع الصلاة شيء" ونحوه فذهب مالك والشافعي وحكاه النووي عن جمهور العلماء من السلف والخلف أنه لا يبطل الصلاة مرور شيء. ولم يأمر أحدًا بإعادة صلاته من أجل ذلك وتأولوا أن المراد نقص الصلاة بشغل القلب بهذه الأشياء. قالوا وصح عن عمر لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي وأوردوا أحاديث وكلها ضعيفة
قال ابن القيم وقد صح عنه – صلى الله عليه و سلم - أنه يقطع الصلاة. المرأة والحمار والكلب الأسود. ثبت ذلك عنه من رواية أبي ذر وأبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن مغفل ومعارض هذه الأحاديث قسمان صحيح غير صريح وصريح غير صحيح فلا يترك لمعارض هذا شأنه وقال الشيخ مذهب أحمد وجماعة من الصحابة يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأولد البهيم . قال: والصواب أن مرور المرأة والكلب الأسود والحمار بين يدي المصلي دون سترة يقطع الصلاة واختاره الموفق وغيره.
(ولهما عن أبي سعيد مرفوعًا "إذا صلى أحدكم إلى شيء بستره من الناس) جدارًا كان أو بعيرًا أو حربة أو عصا أو خطًا أو غير ذلك مما تقدم ونحوه (فأراد أحد أن يجتاز) أي يمضي (بين يديه فليدفعه) ولمسلم "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحدًا يمر بين يديه وليدرأ ما استطاع" (فإن أبي) أي عن الاندفاع (فليقاتله) ولهما فليدفع في نحره. قال القرطبي يدفعه بالإشارة ولطيف المنع فإن لم يمتنع عن الاندفاع قاتله أي دفعه دفعًا أشد من الأول. وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح لمخالفة ذلك قاعدة الصلاة من الإقبال عليها والاشتغال بها والخشوع فيها.
وحكى القاضي عياض وغيره الإجماع على أنه لا يجوز له المشي من مكانه كثيرًا ليدفعه ولا العمل الكثير في مدافعته لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور. وعن أحمد وغيره للمصلي أن يجتهد في رده ما لم يخرج بذلك إلى إفساد صلاته بكثرة العمل فإن أصر فله قتاله ولو مشى يسيرًا لقوله فإن أبى فليقاتله (فإنما هو شيطان).
ولمسلم عن ابن عمر "فلا يدع أحدًا يمر بين يديه فإن أبي فليقاتله فإن معه القرين وهو الشيطان أزه على المرور" وهو في نفسه شيطان فإن شيطان كل جنس متمرده. ولا تفسد صلاته لكن لا يقاتله بسيف ولا بما يهلكه بل بالدفع باليد واللكز فإن مات بذلك فدمه هدر. قال الشيخ وغيره لأن الشارع أباح قتاله وقال القاضي عياض فإن دفعه بما يجوز فهلك فلا قود عليه اتفاقًا. والأمر بدفعه وإن كان ظاهره الوجوب فقال النووي لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع بل صرحوا بأنه مندوب وفيه أن اتخاذ السترة مندوب.و فيه جواز إطلاق لفظ الشيطان على الإنسان الذي يريد إفساد صلاة المصلي وفتنته في دينه. ويحرم مروره بين يدي المصلي وسترته وبقربه إن لم يكن سترة. وأما البعيد فلا يتعلق به حكم وقال الموفق لا أعلم أحدًا حد البعيد في ذلك ولا القريب. والصحيح تحديد ذلك بما إذا مشى إليه المصلي ودفع المار بين يديه للأمر به فتقيد بدلالة الإجماع بما يقرب منه. وفي الصحيحين عن أبي جهيم مرفوعًا "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه".
ولمسلم "لأن يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي" وفيه غلظ تحريمه. قال ابن القيم لوعد من الكبائر لكان له وجه وتكره صلاته في الموضع الذي يحتاج فيه إلى المرور. وتنقص صلاة من لم يرد مارًا بين يديه وهو قادر على رده إلا بمكة وإن غلبه لم يرده اتفاقًا.