فصل في صلاة الضحى وغيرها
أي في حكم صلاة الضحى وغيرها كالاستخارة والحاجة والتوبة وركعتي الوضوء وغير ذلك.
(عن أبي هريرة قال أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه و سلم بثلاث) خصال هي من أفضل التطوع والخلة أعلى مراتب المحبة وقد خصه صلى الله عليه و سلم بهذه الثلاث (بصيام ثلاثة أيام من كل شهر) والأفضل البيض كما سيأتي (وركعتي الضحى) أي حضه النبي صلى الله عليه و سلم على المداومة على ركعتين من الضحى لأنه كان يشتغل في الليل بتذكر الحديث واختار الشيخ المداومة على هاتين الركعتين لمن لم يقم من الليل لتأكدها في حقه بالأمر الشرعي (وأن أوتر قبل أن أنام) وتقدم استحبابه لمن يثق بقيام آخر الليل (متفق عليه).
وعن أنس مرفوعًا: «من قعد في مصلاه حين ينصرف من الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرًا غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» رواه أبو داود. ولابن ماجه من حديث أبي هريرة : «من حافظ على شفعة الضحى يعني ركعتي الضحى غفرت ذنوبه ، وإن كانت ممثل زبد البحر»، ولمسلم عن أبي ذر : «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة. وكل تهليلة صدقة. وكل تكبيرة صدقة. وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة. ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» ، ولأحمد عن بريدة نحوه. قال شيخ الإسلام أقلها ركعتان باتفاق العلماء بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم.
(ولمسلم عن عائشة: «كان صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى أربعًا») أي أربع ركعات (ويزيد ما شاء الله)، وعن نعيم بن حماد مرفوعًا : «إن الله قال ابن آدم اركع لي أربع ركعات أول النهار أكفِك آخره» رواه الترمذي وغيره. قال الحاكم: صحبت جماعة من أئمة الحديث يختارون هذه الصلاة (ولهما عن أم هانئ) بنت أبي طالب عم النبي صلى الله عليه و سلم قيل اسمها فاختة، وقيل: هند عاشت بعد أخيها علي رضي الله عنها
(أن النبي صلى الله عليه و سلم عام الفتح صلى ثماني ركعات سبحة الضحى) أي نافلة الضحى والسبحة الدعاء وصلاة التطوع لأنها يسبح بها ولابن حبان عن عائشة دخل بيتي "فصلى الضحى ثماني ركعات" ولمسلم عنها "ما رأيته يصلي قط سبحة الضحى وأني لأسبحها" ولأحمد والترمذي وغيرهما من حديث أبي سعيد "كان يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها ويدعها حتى نقول لا يصليها وقولها كان يصلي أربعًا لا يدل على المداومة وهي في النفي إنما نفت الرؤية وأخبرت أنها تفعلها استنادًا على ما بلغها من الحث عليها وفعله لها. وهذه الأحاديث وغيرها تدل على عظم فضل صلاة الضحى وكبر موقعها وتأكد مشروعيتها. وحكى النووي وغيره سنيتها عن جمهور السلف وكافة متأخري الفقهاء وهي لا شك دون السنن الراتبة المؤكدة فلا تلحق بها.
وتقدم أن لشيخ الإسلام قاعدة: أن ما ليس من السنن الرواتب لا يداوم عليه حتى يلحق بالرواتب وهي دونها فلا تشبه بها, وأكثر ما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام ثمان ركعات. وعن أنس مرفوعًا "من صلى الضحى اثنتي عشرة ركعة بني له قصر في الجنة" رواه الترمذي بسند ضعيف وله شواهد وقيل لأحد لأكثرها وأن الأفضل أربع أو ثمان.
(ولمسلم عن زيد بـن أرقـم) بـن قيـس بن النعمان الخزرجي الأنصاري –رضي الله عنه- توفي بالكوفة سنة ست وستين (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال "صلاة الأوابين" أي الرجاعين إلى الله بترك الذنوب وفعل الخيرات يعني الصلاة التي تميزوا بها وسموا بسببها أوابين (حين ترمض الفصال) بفتح الميم تحترق من الرمضاء وهو شدة حر الأرض من وقع الشمس على الرمل وغيره فتبرك من شدة الحر أو تبول في أخفافها وذلك يكون عند ارتفاع الشمس وتأثيرها الحر.
والفصال جمع فصيل وهو ولد الناقة سمي بذلك لفصله عن أمه وفي لفظ أنه خرج على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال "صلاة الأوابين إذا أرمضت الفصال من الضحى" وفي لفظ "لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل" ولابن مردويه وهم يصلون بعد ما ارتفعت الشمس فأول وقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال وأفضله إذا تعالى النهار واشتد الحر لهذا الخبر الدال على فضيلة هذا الوقت ووصفه المصلين فيه بهذا الوصف الجميل.
(وعن جابر: كان صلى الله عليه و سلم يعلمنا الاستخارة) أي دعاء الاستخارة (في الأمور كلها) وهو دليل على العموم وأن المرء لا يحتقر أمرًا لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه فيكون الإقدام عليه أو تركه ضررًا عظيمًا. ويروى من سعادة ابن آدم استخارة الله. والمراد قبل العزم على مندوب أو مباح لا واجـب أو محرم (كما تعلمنا السورة من القرآن) أي يعتني بشأن تعليمنا اهتمامًا بأمر الاستخارة وترغيبًا فيها لعظم نفعها وعمومه كما يعتني بالسورة فدل على تأكد استحبابها. قال العراقي لم أجد من قال بوجوبها.
(يقول إذا هم أحدكم بالأمر) أي إذا أراد أمرًا بدون عزيمة كما في رواية ابن مسعود (فليركع ركعتين) لا تجزئ فيه ركعة واحدة وفي حديث أبي أيوب "ثم صلى ما كتب له" فدل على جواز الزيادة على الركعتين (من غير الفريضة) وظاهره أنه لا تحصل السنة بوقوع الدعاء بعد الفريضة وكذا الراتبة ولعله إنما أمره بذلك بعد حصول الهم بالأمر فإذا صلى راتبة أو فريضة قبله حصل الاستنان.
قال شيخ الإسلام يجوز الدعاء في صلاة الاستخارة وغيرها قبل السلام وبعده. والدعاء قبل السلام أفضل لأنه قبل السلام لم ينصرف وهو أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و سلم (ثم ليقل اللهم إني أستخيرك الحديث) أي اقرأ الحديث، ولفظه "اللهم إني أستخيرك بعلمك" أي أطلب منك الخير أو الخيرة بأنك أعلم. وفي الترمذي مرفوعًا "اللهم خر لي واختر لي" وسنده ضعيف "وأستقدرك بقدرتك" أي أطلب منك أن تجعلني قادرًا عليه "وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب". إظهار للعجز والانقطاع وفزع منه تعالى إليه. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسمي حاجته خير لي في ديني ودنياي ومعاشي" أي عيشتي "وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري، وآجله فأقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فأصرفه عني وأصرفني عنه وأقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به" (رواه البخاري) والخمسة وغيرهم وقد روي عن غير واحد من الصحابة.
والحديث دليل على مشروعية صلاة الاستخارة والدعاء في آخرها أو بعدها. قال غير واحد صلاة الاستخارة سنة بلا نزاع وهل يستحب تكرار الصلاة والدعاء؟روي فيه حديث مرفوع ولا يثبت لكن قد يستدل بتكرار النبي صلى الله عليه و سلم الدعاء ثلاثًا. قال النووي وغيره وينبغي أن يفعل ما ينشرح له صدره ويستشير وإذا ظهرت المصلحة فعله.
(وحديث صلاة الحاجة) عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال "من كانت له حاجة إلى الله تعالى أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ ويحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله ويصلي على النبي صلى الله عليه و سلم ثم ليقل لا إله إلا الله العلي العظيم. سبحان الله رب العرش العظيم. الحمد لله رب العالمين. أسألك موجبات رحمتك" أي خصالاً تتسبب لرحمتك وتقتضيها بوعدك "وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبًا إلا غفـرته ولا همًا إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضى مرضية لك إلا قضيتها يا أرحم الراحمين" ثم يسأل الله من أمر الدنيا والآخرة ما شاء فإنه قادر سبحانه وتعالى (رواه) ابن ماجه و (الترمذي وقال غريب) وفي إسناده مقال لأن فائد بن عبد الرحمن يضعف في الحديث ويشهد له حديث عثمان ابن حنيف صححه الترمذي.
(وعن أبي بكر الصديق) رضي الله عنه واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر القرشي التيمي خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأفضل الصحابة على الإطلاق وأحبهم إليه توفي سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال "ما من رجل يذنب ذنبًا فيتوضأ ويحسن الوضوء) وفي لفظ فيتطهر فهذه طهارة الظاهر قدمها على طهارة الباطن (فيصلي ركعتين فيستغفر الله إلا غفر له" رواه الخمسة وحسنه الترمذي وابن كثير وغيرهما وفيه ثم قرأ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ الآية وله شاهد عند مسلم وفي الصحيحين "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيها نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه".
وفي الحديث دليل على مشروعية الصلاة إذا أذنب يتطهر ويصلي ثم يستغفر. وفيه استيفاء وجوه الطاعة في التوبة لأنه ندم فتطهر ثم صلى ثم استغفر وإذا أتى بذلك على أكمل الوجوه غفر الله له بوعده الصادق وحديث الصلاة عقب الوضوء متفق عليه) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لبلال عند صلاة الصبح "يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة؟ قال ما عملت عملاً أرجى عندي إلا أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي" وثبت "ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة". وفيهما الحث على الصلاة عقب الوضوء. قال شيخ الإسلام يستحب أن يصلي ركعتين عقب الوضوء ولو كان وقت نهي وهو مذهب الشافعي.
تتمة:
قال شيخ الإسلام وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصليها لكن الاجتماع فيها لإحيائها بدعة. وقال أما إنشاء صلاة بعدد مقدر وقراءة مقدرة في وقت معين تصلي جماعة راتبة كصلاة الرغائب والألفية ونصف شعبان، وسبع وعشرين من رجب وأمثال ذلك فهذا غير مشروع باتفاق علماء الإسلام. ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع، وفتح مثل هذا الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام.
وقال أيضًا لا أصل لها بل هي محدثة لا جماعة ولا فرادى.والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء. وقال النووي صلاة الرغائب والألفية بدعتان مذمومتان ومنكرتان قبيحتان فلا تغتروا بذكرهما ولا بالحديث المذكور فيهما فإن ذلك باطل. والرغائب أول جمعة من رجب قال شيخ الإسلام: وصلاة التسبيح نص أحمد وأئمة أصحابه على كراهيتها ولم يستحبها إمام وأما أبو حنيفة ومالك والشافعي فلم يسمعوا بها بالكلية ولم ينقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجبًا أو مستحبًا بحديث ضعيف. ومن قال هذا فقد خالف الإجماع.
وقال العمل بالخبر الضعيف لا يجوز بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب، ومثله الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي لا استحباب ولا غيره. لكن يجوز ذلك في رغيب والترهيب فيما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع فإنه ينفع ولا يضر واعتقاد موجبه يتوقف على الدليل الشرعي.