الاختلاف الوارد في التفسير المأثور
الاختلاف الوارد في التفسير المأثور على ثلاثة أقسام :
الأول : اختلاف في اللفظ دون المعنى ، فهذا لا تأثير له في معنى الآية ، مثاله قوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء :23) قال ابن عباس : قضي : أمر ، وقال مجاهد : وصي ، وقال الربيع بن انس : أوجب ، وهذه التفسيرات معناها واحد ، او متقارب فلا تأثير لهذا الاختلاف في معنى الآية .
الثاني : اختلاف في اللفظ والمعنى ، والآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد بينهما ، فتحمل الآية عليهما ، وتفسر بهما ، ويكون الجمع بين هذا الاختلاف أن كل واحد من القولين ذكر على وجه التمثيل ، لما تعنيه الآية أو التنويع ، مثاله قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الأعراف:175) (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ (الأعراف:176) قال ابن مسعود : هو رجل من بني إسرائيل ، وعن ابن عباس أنه : رجل من أهل اليمن ، وقيل : رجل من أهل البلقاء.
والجمع بين هذه الأقوال : أن تحمل الآية عليها كلها ، لأنها تحتملها من غير تضاد ، ويكون كل قول ذكر على وجه التمثيل .
ومثال آخر قوله تعالى (وَكَأْساً دِهَاقاً) (النبأ:34) قال ابن عباس : دهاقاً مملوءة ، وقال مجاهد : متتابعة ، وقال عكرمة : صافية . ولا منافاة بين هذه الأقوال ، والآية تحتملها فتحمل عليها جميعاً ويكون كل قول لنوع من المعنى .
القسم الثالث : اختلاف اللفظ والمعنى ، والآية لا تحتمل المعنيين معا للتضاد بينهما ، فتحمل الآية على الأرجح منهما بدلاله السياق أو غيره .
مثال ذلك : قوله تعالى : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة:173) قال ابن عباس : غير باغ في الميتة ولا عاد من أكله ، وقيل : غير خارج على الإمام ولا عاص بسفره والأرجح الأول لأنه لا دليل في الآية على الثاني ، ولأن المقصود بحل ما ذكر دفع الضرورة ، وهي واقعة في حال الخروج على الإمام ، وفي حال السفر المحرم وغير ذلك .
ومثال آخر قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ)(البقرة: الآية 237) قال على بن أبي طالب رضي الله عنه في الذي بيده عقدة النكاح : هو الزوج ، وقال ابن عباس: هو الولي ، والراجح الأول لدلالة المعنى عليه ، ولأنه قد روي فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .