وهذا : تضرع منهم لله سبحانه وتعالى، وعرض لحالهم عليه عز وجل بعد عرضها على رسوله، إظهاراً لصدقهم، وطلباً لمرضاة ربهم، أي: آمنا بك، واتبعنا رسولك ..!!، فاكتبنا عندك مع الذين يشهدون لك بالواحدانية ولرسولك بالصدق فيما جاء به.
وإذا كان هذا حال أنصاره الحواريين، الذين آمنا به وصدقوه !!، فما حال الأغلبية التى كذبته، وكفرت برسالته ؟، تعالوا معى أيها الأحبة فى الله نقرأ ما يخبر به المولى عنهم حيث يقول : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الآية 54]، أي : ازدادوا كفاراً وعناداً ، ومكراً وفجوراً، حتى إنهم أرادوا قتل نبيهم عيسى عليه السلام، ولكن الله تعالى جازاهم على مكرهم بأن أفسد سعيهم، ورفع عيسى إلى السماء، ويلاحظ أن المكر إذا نسب للإنسان كان بمعنى الخطيئة، وإذا نسب لله تعالى كان بمعنى الجزاء عليها والله خير الماكرين أي أقوى المعاقبين على الخطايا.
ثم يوضح ربنا - تبارك وتعالى - كيف فوَّت على الماكرين من اليهود مكرهم بعيسى عليه السلام، إذ يقول .انتبه وتذكر :
إنى متوفيك : أي منيمك، من النوم ورافعك إلى أي إلى السماء حياً، وقد رآه رسولنا صلى الله عليه وسلم فى السماء ليلة المعراج ومطهرك من الذين كفروا، أي مبعدك عنهم، وعن خبثهم وإيذائهم لك، وجاعل الذين اتبعوك، أي : المسلمين، الذين آمنوا بالله وصدقوا بك، من أمتك، أو من غيرها،.فوق الذين كفروا وكذبوك، وجحدوا برسالتك، وحرفوها من اليهود والنصارى وغيرهم، وفى يوم القيامة إلىَّ عودة الجميع، فأحكم بينهم بالعدل، فيما اختلفوا فيه؛ ليظهر المحق من المبطل، والمؤمن من الكافر، ويكون الجزاء المناسب.
وهذا : هو عين العدل .{ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [الآية 57]
أيها الأحباب فى الله .بعد هذا البيان الإلهى، والتوضيح الوافى، لأمر عيسى عليه السلام، وما يكون منه، وما يكون له يتوجه المولى بالخطاب التشريفى لمحمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول له : { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ } [الآية 58]
أي : هذا الذى قصصناه إليك من أمر أخيك عيسى وحى إليك من الذكر الحكيم، واللوح المحفوظ، لا شك فيه، ولا جدال حوله.
أيها الكرام لما قدم وفد نصارى نجران إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وقالوا له هل رأيت لعيسى مثلاً ..؟، إنه خلق بلا أب، ومن لا أب له فهو ابن الله، فنزل رداً عليهم قول الله تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [الآية 59]
أي : إن شأن عيسى، وحالته الغريبة، فى كونه خلق من غير أب كشأن آدم فى كونه خلق من غير أب، ولا أم أيضا، بل خلق من تراب إبتداءً، قال له كن فكان، وهما - مع اختلاف خلقهما - يستويان أمام قدرة الله تعالى، أي :إذا كانت دعوى النبوة تجوز فى حق عيسى عليه السلام .. !!، فهى فى حق آدم جائزة بطريق الأولى، ولو حدث فى حق آدم ذلك لكان باطلاً، ولهذا فهو فى حق عيسى أشد بطلانا وهذا الذى ذكرناه هو :
أي : من جادلك من النصارى فى شأن عيسى عليه السلام، وأنه ابن الله - كما يزعمون - بعد ما جاءك من العلم والحق الذى عرفوه .!!، فقل لهم هيا بنا نتباهل، أي : نجمع سوياً نحن وأنتم أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم فى مكان واحد، ثم نبتهل أي نتضرع إلى الله فى الدعاء فنجعل لعنة الله على الكاذبين أي : هلاكه للكاذبين من أي الفريقين فى شأن عيسى ونبوته لله سبحانه وتعالى فماذا فعلوا ..؟ أيها الأحباب يقول العلماء لم يُروَ عن أحد موافق أو مخالف أنهم استجابوا، وفعلوا ذلك.
أي : فإن لم يستعملوا عقولهم ، ويتخلوا عن عنادهم ؛ فقد فسدوا ، وأفسدوا غيرهم .والله عليم بالمفسدين .يجازيهم شر الجزاء، أيها المجتمعون معنا على مائدة القرآن الكريم ..!!
بعد أن بين الله عز وجل أن الدين عند الله الإسلام ..!! وبين - كذلك - أن اختلاف أهل الكتابين فيه إنما هو من البغى والحسد..!! ثالثاً - أن الفوز برضوانه طريقة أتباع الرسل عليهم السلام ..!! رابعاً - مبدأ عيسى عليه السلام ، ورد أكاذيب أهل الكتاب، وأغاليطهم حوله، وبيان الحق فى شأنه، أقول بعد هذا كله مما ذكرت آيات السورة، يأمر المولى سبحانه وتعالى بدعوة أهل الكتاب إلى الحق، ومحاورتهم لإقناعهم به، على النحو التالى فلنقرأ خاشعين.
وفى هذا أمر لأهل الكتاب وغيرهم، أن لا تكون العبادة والطاعة، والتحليل والتحريم إلا لله وحده، وأن لا يطيع بعضنا بعضاً فى معصية الله {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، أي : فإن رفضوا هذه الدعوة، وتولوا وأعرضوا عن الاستجابه لها فأعلنوا التزامكم أنتم، واستمراركم فى إسلامكم وطاعتكم لله، ثم يستنكر رب العزة على اليهود والنصارى هذه المغالطات التاريخيه، إذْ يقول سبحانه :
ادعت اليهود أن إبراهيم كان يهودياً وادعت النصارى أنه عليه السلام كان نصرانياً وهذا خطأ فاحش، حيث لم تنزل التوراة - كتاب اليهود - على موسى، ولم ينزل الإنجيل - كتاب النصارى - على عيسى، بل لم يكن موسى ولا عيسى نفسيهما إلا بعد زمن إبراهيم عليه السلام ولا يقول ما قلتم عاقل أفلا تعقلون ..!!